أيها الموظفون ، أيها المدراء ، أيها المسؤولون ، اتقوا الله فيما وليتم عليه ، وضعوا الرجل المناسب في المكان الجدير به ، فلا يسند منصب ولا وظيفة إلا لصاحبه الذي تترقى به كفاءته وصفاته ، فلا اعتبار للمجاملات والمحسوبيات ، حتى الصحبة لا ينظر إليها ، فالنبي صلى الله عليه وسلم اعتذر لأبي ذر لما طلب أن يستعمله بل وحذره من خطر ذلك عليه ، مما يعرفه عنه ، وقد يكون الرجل حسن السيرة ، وحسن الإيمان لكنه ليس أهلاً للمنصب ، فيوسف عليه السلام ، رشح نفسه لإدارة المال ، ولم يذكر نبوته وتقواه ، بأني شيء طلبها إذا ؟ بل طلبها بحفظه وعلمه ، قال : ” أجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ” فالأمانة تعني أن تختار الأحسن ، فإذا عدلنا عن الأحسن إلى غيره بهوى أو رشوة أو قرابة ، فهي والله خيانة للأمة وخيانة للأمانة بتنحية القادر وتولية العاجز .
عن معقل بن يسار ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : (( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته ، إلا حرم الله عليه الجنة )) وفي رواية لمسلم : (( ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجتهد لهم أو ينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة )) . فيا كل مدير ، ويا كل مسؤول ، ورئيس ، أن الأمة التي لا أمانة فيها هي التي تنتشر فيها الرشوة وتهمل الأكفاء وتبعدهم وتقدم من ليسوا أهلاً للوظائف والمناصب ، وهذا من علامات الساعة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة )) فقال : وكيف إضاعتها ؟ قال : (( إذا وسّد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة )) فالأمة التي لا أمانة فيها هي التي تعبث فيها الشفاعات بالمصالح وتطيش بإقدار الرجال الأكفاء لتهملهم وتقدم من دونهم ، فتنبهوا واحذروا وأخلصوا .
نسأل الله أن يعينكم ويسددكم فأنتم على ثغر جسيم ، وخير عظيم ، متى صدقتم واستعنتم بالله ، فكونوا عند حسن ضن ولاة أمركم وثقة أهلكم وجماعتكم .
-الشفاعة داء أو دواء –
أنت يا من رزقه الله مكانة ووجاهة ، اعلم أن زكاتها الشفاعة والإعانة للمحتاجين ، على أن لا يبخس بها حق الآخرين ، فإن الشفاعات من أعظم العبادات إذا قصد بها وجه الله عز وجل .
كتب الحسن بن سهل كتاب شفاعة فجعل الرجل يشكره ، فقال الحسن : يا هذا علام تشكرنا ؟ إنا نرى الشفاعات زكاة مروءتنا ، ثم أنشد ، يقول :
فُرضت عليّ زكاةُ ما ملكت يدي وزكاة جاهي أن أعين وأشفعا .
فإذا ملكت فجد فإن لم تـستطع فأجهد بوسعك كله أن تـنفا .
ولكن يتأكد هنا الـتركيز والتنبيه دائماً على المنهج الشرعي في مسألة الشفاعة والتوسط للآخرين ، وهذا مما يخلط فيه الكثير من الناس ، والتحقيق أنه إن ترتب على ذلك ضياع حق لأحد أو نقصانه أو حرمان من هو أولى وأحق بتعيين أو قبولٍ مثلاً ، الشفاعة هنا محرمة يأثم صاحبها ؛ لأنه ظلم لمن هو أحق بها ،وظلم لأولي الأمر وذلك بحرمانهم من عمل الأكفاء وخدمته لهم ومعونته إياهم على النهوض بمرفق من مرافق الحياة واعتداء على الأمة بأكملها بحرمانها ممن ينجز أعمالها ويقوم بشؤونها في هذا الجانب على خير حال ، ثم أن الشفاعة في مثل هذا تولد الضغائن والضنون السوء ومفسدة للمجتمع ، ويشتد الأمر ويعظم إذا كانت الشفاعة في حد من حدود الله ، فمتى وصلت القضية لولي الأمر أو من ينوبه من مراكز الشرط أو المحاكم وغيرها فلا يجوز لأحد أن يشفع أو يتدخل ، وإذا لم يترتب على الوساطة ضياع حق لأحد أو نقصانه فهي جائزة بل مرغب فيها شرعاً ويؤجر عليها الشفيع إن شاء الله ، فقد أخرج البخاري _ رحمه الله _ أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : (( اشفعوا تؤجروا )) وفي صحيح مسلم أنه ، قال : (( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل )) والله تعالى يقول ” من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا ” ويقول تعالى : ” انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً ” .
معاشر الموظفين ، العدل العدل ، واحذروا الظلم وخاصة الرؤساء والمدراء ، احرصوا حفظكم الله كل الحرص على العدل بين من تحت أيديكم من الموظفين ولا تميلوا مع فلان وفلان بمجرد علاقة أو توافق هوى بل ليكن الضابط في تعاملكم هو الكفاءة والتميّز في العمل ، حتى ولو كان ممن لا تحبه أو لا تميل إليه أو لا ترتاح معه كما يقول البعض ، فإن هذه كلها ليست أسباباً شرعية لبخسه حقه أو تهميشه وظلمه ” يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والآقربين أن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلوا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً ” . نعم : الله مطلع خبير رقيب فاحذر وتنبه ، يقول ابن كثير في تفسيره : (( قوله : ” فلا تتبع الهوى أن تعدلوا ” أي فلا يحملكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم بل الزموا العدل على أي حال كان كما ، قال تعالى : ” ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ” ومن هذا قول عبد الله بن رواحة لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يـخرص على أهل خيبر ثمارهم وزرعهم ، فأرادوا أن يرشوا ليرفق بهم ، فقال : والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ ، ولأنتم أبغض إليّ من اعدادكم من القردة والخنازير ، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا اعدل فيكم ، فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض )) انتهى كلام ابن كثير –رحمه الله-
فيامن وليت مسؤولية وإدارة ، اتق الظلم ، فإن ظلم العباد واعتداء بعضهم على بعض سواءً في القول أو الفعل قد عم وظم ، والكل يعلم أن من أهم أسباب الاختلاف بين العباد هو الظلم والاعتداء وفقدان العدل والأنصاف ، فمن اتهام الأبرياء وأكل أموال الناس بالباطل ، والتقول على الناس بغير حق ، والدخول في المقاصد والنيات ، واستغلال النفوذ والمناصب في إذلال الآخرين والتسلط عليهم ، ومنع وصول حقهم إليهم ، وبخس حقوق الآخرين ، فهذه كلها صور للظلم . فيا عبد الله كما قال صلى الله عليه وسلم : (( اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة )) كما في صحيح مسلم . فالظلم عاقبته وخيمة والظالم قاس القلب متحجر العاطفة عديم الإحساس ، ولذلك طرده الله من رحمته ، فقال : ” إلا لعنة الله على الظالمين ” ومن أهم تمرات العدل و الأنصاف ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوّا )) .