إن من المعلوم أن التلفاز سواء كانت برامجه وقنواته تبث من الأرض أو الفضاء قد أدّى دورًا هائلاً في مجالات عدة، وقد قلّ أداؤه بصفة عامة في مجال التربية والتعليم مقارنة لما أدّاه في مجالات مختلفة كالفن والسياسة والرياضة والاقتصاد .. إلخ.
وأحاول في هذا المبحث أن أركّز الحديث عن دور التلفاز في مجال التربية والتعليم بوضعه الحالي، وصفته المعلومة توطئة للحديث – فيما بعد – عمّا نرقبه في المستقبل من آمال ورؤى لأدائه تربويًا وتعليميًا إن شاء الله تعالى فيمكن لنا تلخيص دور التلفاز في مجال التربية والتعليم عبر النقاط التالية:
أولاً: التلفاز من أعظم الروافد المهمة للأداء التربوي والتعليمي:
ويظهر هذا جليًا لمن تأمله في أن هذا الجهاز ببرامجه التربوية والتعليمية يساعد كثيرًا على إنجاح العملية التربوية والتعليمية. فثقافة المرء – صَغُرَ أو كَبُر – في هذا المجتمع كثيرًا ما تعتمد على ما رآه وأدركه من خلال متابعته لما يبث في التلفاز.
وقد كثرت الروافد التربوية والتعليمية، لكن أداءها لا يجد ذلك الإقبال ولكن القبول الذي يحظى به مشاهدو التلفاز. انظر إلى حديث كثير من المجتمع بشتى أصنافه وطبقاته تجد أن مصادر كثير منهم تعتمد على ما لاحظوه عبر هذا الجهاز واستمتعوا به.
وقد غلب التلفاز بأوقاته المختلفة على أوقات القراءة والسماع والكتابة في جميع المراحل العمرية. وهو يؤدي دورًا فعّالاً إمّا سلبًا أو إيجابًا في العملية التربوية، أو العملية التعليمية؛ لكننا نقرّ بأنه مهم جدًا فيهما، ولا يمكن الاستغناء عنه وبملاحظة بعض الدول والشعوب الفقيرة التي لا تجد هذا الرافد يقل العطاء التربوي والتعليمي لديهم مع بقائهم على ما جمدوا عليه ممّا تعلموه، أو تربوا عليه على أيدي الأساتذة والآباء والأجداد.
وعند مشاركة أحد أبناء هذه الشعوب في المنتديات العامة أو الدولية يُفاجأ بمدى أداء التفوق التربوي والتعليمي لغيره بسبب هذا الرافد المهم جدًا وهو التلفاز فيتمنى ويسعى، ويقدم ويحفد إلى نقل هذا التقدم التربوي والتعليمي إلى بني جلدته وأبناء مجتمعه.
ثانيًا: التلفاز هو الشريك الأبرز في مجال التربية و التعليم للأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد ودُور العلم والمحاضن والمراكز التربوية والتعليمية:
لقد دخل هذا الجهاز إلى حياتنا كلها؛ فغزا الأب في توجيهاته التربوية، والأم في ثقافتها التعليمية، والمعلّم في درسه وتحضيره، وإمام المسجد والخطيب في طريقة تذكيره وأسلوب موعظته واختياره الموضوع، وأستاذ الجامعة غذّاه بكثير من المعلومات والمصادر والتوجهات.
إننا ندرك شراكة التلفاز الرئيسة في حياتنا، فهو يؤثر علينا، ويؤثر لنا. وتستمتع الأسرة – غالبًا – بالالتفاف حول ما يعرضه هذا الجهاز من برامج ممتعة تربوية أو تعليمية. وقد لاحظت هذه الشراكة عندما عرضت على طلابي في الجامعة بعض الأفلام التعليمية في مادة نقدية متخصصة جافّة في المصادر والوسائل، ولمستُ الإصغاء الكبير منهم، والفائدة بعد هذا العرض، وقطعتُ شوطًا في المادة والمنهج من خلال هذا الشريك.
ثالثًا: قوة تأثيره، وقدته وسرعة وصوله إلى شرائح المجتمع في مجالات عديدة:
لا يخفى على أحد الأثر البالغ للتلفاز على أغلب المجتمع بمختلف شرائحه وأصنافه. ولا يقتصر تأثيره على المجال التربوي والتعليمي، بل يتعداه إلى التأثير القوي في مجالات علمية وعملية، نظرية وتطبيقية؛ فيمتلك مشاهده ويأسر متابعه، كما أنه بقدرة فائقة وسرعة هائلة يصل إلى من لا تصل إليه الموعظة أو الخطبة أو الذكرى. فيكف لو كان كل ذلك في المجال التربوي والتعليمي خاصة، والمرء منا ينظر أحيانًا إلى المشاهدين وهم يتابعون برنامجًا فلا يكاد يلتفت إليه أحد منهم إلاّ لمامًا لتأثرهم بما يرون، وتعلقهم بما يسمعون ويتابعون وندرك أيضًا أن فئات كثيرة في المجتمع تصل إليهم المعلومات السرية، والمقعدة، والتي يصعب حملها وتداولها من خلال التلفاز.
رابعًا: يعتبر التلفاز أحد القنوات المهمة في الإقناع التربوي والتعليمي:
كثيرًا ما نلاحظ اقتناع فئة في المجتمع بفكرة أو رأي أو تصرف ويبدأ هؤلاء في الدفاع عنها، وأحيانًا الاستماتة دونها، ولو سألتهم: التلفاز في البرنامج الفلاني المحدد، أو أذيعت خبرًا فيه، أو نُقلت تحليلاً عبره.
وفي المجال التربوي والتعليمي تبرز هذه النقطة بجلاء حين يقدم البرنامج المتخصصين العالميين أو المحليين لمعالجة مشكلة تربوية أو سلوكية مثلاً عبر حوار يطول، أو برنامج متميز يحصى ويستقصى، ويسأل الجمهور، ويعطي الإحصاءات الصحيحة الحرّة.
وكم كان لغرس المفاهيم، والإقناع التربوي أو التعليمي من أسس طرحت أيضًا خلال مسلسلات أو أفلام، أو برامج غير مباشرة فأثرت وأقنعت أكثر من البرامج التربوية أو التعليمية الخاصّة.
ولو أخذنا مثالاً على ذلك من مجتمعنا؛ عندما امتنع الكثير عن تعليم بناتهم في المدارس والجامعات والكليات على وجه الخصوص انبرى الإعلام والتلفاز على وجه الخصوص بأساليب ووسائل وبرامج مباشرة وغير مباشرة للإقناع التربوي والتعليمي في هذه القضية، فنجحت هذه العمليات التربوية في الإقناع إلى حدّ كبير.
خامسًا: الإقبال الهائل على التلفاز بصفة عامّة من قبل الإفراد والمجتمعات:
تدل الإحصائيات التي قمت بها على شرائح من طلابي في الجامعة أن لديهم شغفًا كبيرًا، وإقبالاً هائلاً على متابعة البرامج التلفزيونية بحسب الميول والهوايات والطباع، وخصوصًا في الرياضة والفن، ثم السياسة بسبب الأحداث المتسارعة على العالم الإسلامي خصوصًا، والاقتصاد، فالبرامج التعليمية.
فهذان الأخيران يتنافسان في استقطاب الفئة القليلة من أولئك الشباب، بينما يقبل الأغلب منهم على المجالات السابقة.
ولدى الطالبات أفادت الإحصائية بعد إجرائها على شريحة منهم بإقبالهم الأكبر والأكثر على الفن، ثم الرياضة فالبرامج التعليمية ثم الاقتصاد فالسياسة.
فيلاحظ هنا أن الإقبال هنا ما زال هائلاً على التلفاز وبرامجه، وتحتل البرامج التعليمية الوسط بعد الفن والرياضة، وهو موقع في الإقبال أحسن من موقعها بالنسبة إلى الطلاب.
بالنظر إلى هذه الشرائح فقد رأينا هذا الإقبال الهائل على التلفاز بصفة عامة الذي تنقضي فيه الساعات المتتابعة الطِّوال أكثر من الإقبال على وسائل إعلامية أخرى.
ولا بد أن يستفيد التربويون والتعليميون من هذا الإقبال الهائل على التلفاز فيتقدموا إليه، ويقدموا ويعرضوا أفكارهم وآراءهم ونظرياتهم بطرق مثلى تجذب المشاهدين.
سادسًا: اتساع الفائدة من التلفاز وعدمها:
كما تتقدم أن للتلفاز إقبالاً كبيرًا من المجتمع، ولا شك أن هؤلاء يلمسونه منه فوائد تعود على حياتهم العامة والخاصة، وأحيانًا تقل أو تنعدم الفائدة المرجوة منه.
وفي اعتقادي أن اتساع الفائدة منه من عدمها يعود إلى أسباب كثيرة؛ من أهمّها: الانتقاء والاختيار لهذه البرامج التلفزيونية والرقابة الأسرية أو المحلية من عدمها، المتابعة الإعلامية الدقيقة للمخرجات .. إلخ.
وإذا كنّا نتفق في اتساع الفائدة من التلفاز وعدمها فإن هذا يحتِّم على أهل التربية والتعليم أن يبذلوا قصارى جهدهم لتقديم البرامج التعليمية ذات الفوائد عبر هذا الجهاز حتى يغلب الخير الشر، وتكثر الفائدة ويتسع مجالها، وتضعف السلبيات وتنحسر.
سابعًا: للتلفاز آثار السلبية:
لا يخلو هذا الجهاز الفريد من سلبيات تقدّم بها إلى المجتمع تلو المجتمع، فله آثار سلبية نفسية، وعقلية وخُلقية، ودينية وتربوية وتعليمية وفكرية واقتصادية .. إلخ (1).
ولا يمكن للمتحدث عن دور التلفاز عامة، أو عن دورة في المجال التربوي والتعليمي أن يُغفل هذه السلبيات أو يتغافل عنها، والدراسات الغربية خصوصًا مليئة بما قّدِّم أو دُوِّن عنها.
وفيما يخصنا في هذا البحث من حيث مجال التربية والتعليم نلاحظ أن للتلفاز سلبيات فيهما، من أبرزها:
النظريات التربوية الخاطئة، والمعلومات التعليمية غير الصحيحة أو القديمة أو المنسوخة، غلبته على الوسائل التربوية والتعليمية بشتى صوره وتعدد فنونه، الجمود على مجرد التلقي والمشاركة القليلة .. إلخ.
لكن لا بد أن نحاول أن نتغلب عليها – ما أمكننا ذلك – أو التقليل منها، وإحلال البدائل المتميزة موضعها في التلفاز.
ثامنًا: الإمكانات الكبيرة لوزارات الثقافة والإعلام، ومؤسسات التلفزة الأرضية والفضائية:
عندما يُقلّب الناظر هذه القنوات المتعددة، ويتابع ما يعرض من خلالها يلمس حجم ما تملكه هذه الوزارات المشرفة، أو تلك المؤسسات المالكة من قدرات وإمكانات شكّلت وما زالت تشكّل الغطاء التلفزيوني للعالم.
إن هذه الإمكانات بحاجة إلى من يستفيد منها في مجال التربية والتعليم لأننا نرى أن كثيرًا منها يصرف في الجوانب الأخرى الأساسية كانت أو هامشية.
وحجم صرف ما يمكن صرفه في مجال التربية والتعليم أقل بكثير جدًا ممّا يصرف في المجالات الأخرى، فهذه قدّمت وما تزال تقدم الكثير من البرامج الحيّة والممتعة، بينما أهل التربية والتعليم في كثير من البلدان بمنأى عن استثمار هذه الإمكانات الهائلة، من ثم هم بعيدون عن ساحة الإعداد الإعلامي المثمر إلاّ من رحم الله تعالى.