أوجد الله الإنسان في هذه الحياة ليعبده قال تعالى: ” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ” [الذاريات: 56] وأعطاه القوة والسمع والبصر والفؤاد، وعلمه ما لم يكن يعلم، وأسبغ عليه نعمه الظاهرة والباطنة لكي يشكره عليها باستعمالها في مرضاته والاستعانة بها على طاعته، وجعل له عمرًا محدودًا وأنفاسًا معدودة كلفه بحفظها فيما ينفعه في دينه ودنياه، ووكل به ملائكة حافظين كراما كاتبين يحفظون أعماله ويكتبون أقواله وأفعاله من خير وشر فإذا كان يوم القيامة شهدت عليه حفظته وشهدت عليه جوارحه وشهدت عليه بقاع الأرض التي يعمل فوقها بما عمل ” مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ” [الزلزلة: 7، 8] .
فعلى المسلم أن يكون رقيبا على نفسه محاسبا لها في كل يوم وساعة ودقيقة ماذا عملت وبأي شيء تكلم به لسانه وما الذي سمعته أذناه، ونظرت إليه عيناه، ونواه قلبه وبطشته يداه ومشت إليه رجلاه فإن هذه الحواس والجوارح سوف يسأل عنها وتشهد عليه قال تعالى: ” إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ” [الإسراء: 36] يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” [النور: 24] وعلى المسلم أن يحاسب نفسه على لفظاته ولحظاته وخطراته وخطواته فيحميها عن الكلام المحرم والنظر المحرم والاستماع المحرم والمشي المحرم والبطش المحرم والأكل والشرب المحرم فيحفظ لسانه بذكر الله وجوارحه بطاعة الله حتى يكسب بها خير ويصرفها عن الشر وقد قال تعالى: ” قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ” [النور: 30].
وفي الحديث: «النظر سهم مسموم من سهام إبليس من تركه لله أورثه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه» وإن في الاشتغال بهذه الحواس والجوارح بطاعة الله اشتغالا عما حرم الله وفي ذلك فائدتان عظيمتان.

إحداهما: صونها عما حرم الله مما يوجب سخطه وعقابه.
والثانية: فوزها بطاعة الله المقربة من رضاه وجنته فإن في الاشتغال بذكر الله اشتغالا عن الكلام الباطل من الغيبة والنميمة واللغو ومدح الناس وذمهم وغير ذلك فإن اللسان لا يسكت أبدا فإما لسان ذاكر أو لسان لاغ ولا بد من أحدهما فإن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والقلب إن لم تسكنه محبة الله تعالى سكنه محبة المخلوقين، واللسان إن لم تشغله بذكر الله شغلك باللغو وما هو عليك فاختر لنفسك إحدى الخطتين وأنزلها في إحدى المنزلتين إن العبد إذا نسي نفسه من العلم بما يسعده أعرض عن مصالحها ونسيها واشتغل عنها هلكت وفسدت ولابد كمن له زرع أو بستان أو ماشية أو غير ذلك مما صلاحه بتعاهده والقيام عليه فأهمله ونسيه واشتغل عنه بغيره وضيع مصالحه فإنه يفسد ولا بد هذا مع إمكان قيام غيره مقامه فيه فما الظن بفساد نفسه وهلاكها إذا أهملها وضيعها واشتغل عن مصالحها وعطل مراعاتها وترك القيام عليها بما يصلحها وهذا هو الذي صار أمره فرطا فانفرط عليه أمره وضاعت مصالحه وخسر منفعة أوقاته، وأحاطت به أسباب القطيعة والخيبة والهلاك ولا سبيل إلى الأمان من ذلك إلا بحفظ الأوقات من أن تضيع سدى معطلة من ذكر الله وطاعته.
وأعظم من ذلك إضاعتها في معصية الله وذلك هو الخسران المبين، فطاعة العبد لربه وذكره له بمنزلة حياته التي لا غنى له عنها ومنزلة غذائه الذي إذا فقد جسمه وهلك، ومنزلة الماء عند شدة العطش وبمنزلة اللباس في الحر والبرد وبمنزلة السكن في شدة الشتاء والسموم، فحقيق بالعبد أن ينزل طاعة الله وذكره في جميع أوقاته من نفسه بهذه المنزلة وأين هلاك الروح والقلب وفسادهما من هلاك البدن وفساده؟ فهلاك البدن لا بد منه وقد يعقبه صلاح الأبد، وأما هلاك القلب والروح فهلاك لا يرجى معه صلاح ولا فلاح ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وقد قيل: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
وإذا كانت أوقات الغفلة عن طاعة الله وذكره تكون على العبد حسرات يوم القيامة، فكيف بضياع الأوقات في معصية الله؟ وفي الحديث «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ».
ومعنى ذلك أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين وكل من لا يقوم بشكر ما أنعم الله به عليه فهو مغبون قال الشاعر:
ولا تغبنن بالنعمتين بل اجهد ولا يذهبن العمر منك سبهللا

ومن أعظم نعم الله على عباده في هذا الوطن العزيز نعمة الإسلام والصحة في الأبدان والأمن والاستقرار في الأوطان حيث يأمن الإنسان فيه على نفسه وأهله وماله بفضل الله ثم بفضل حكومته الرشيدة التي تحكم بالكتاب والسنة وتقيم الحدود الشرعية التي هي السبب في حماية وصيانة الأنفس والعقول والدين والأنساب والأموال.
فعلى المسلم أن يتقي الله في نفسه وأن يحفظ أوقاته فيما ينفعه ويسعده وأن لا يخلي وقتًا معطلاً من عمل ينفعه أو خير يطلبه وأن يحاسب نفسه ليلاً ونهارًا وصباحًا ومساءً في قوله وعمله وفعله وتركه وكلامه وسمعه وبصره وبطشه ومشيه حتى يربح أوقاته ويسلم له دينه ويزكو إيمانه ويقينه ويفوز بسعادة الدنيا والآخرة وتتم له الأعمال الظاهرة والباطنة قال الشاعر.
وأراه أسهل ما عليك يضيع والوقت أنفس ما عنيت بحفظه

يجب على المسلم أن ينتهز فرص الحياة والشباب والصحة والفراغ بالعمل الصالح ما دام قويًّا قادرًا صحيح البدن والسمع والبصر قبل أن تضعف قوته وتذهب مقدرته ويمرض جسمه ويكل سمعه وبصره وتذهب أوقاته فيندم حين لا ينفعه الندم ويتأسف على تفريطه وإضاعته وإهماله فيقول: ” يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ” [الفجر: 23] ” يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ” [الزمر: 56].
وفي الحديث: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وحياتك قبل موتك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك».
وفي الحديث أيضًا: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟».
فعلى المسلم الناصح لنفسه أن يتقي الله ربه وأن يعد للسؤال جوابًا صحيحًا وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أفضل ما يشغل به الوقت
اللهم صل على أشرف خلقك محمد صلى الله عليه وسلم ولله الحمد وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
فإن أفضل ما يشغل به الوقت ذكر الله ودعاؤه واستغفاره بعد أداء الفرائض قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ” [الأحزاب: 70، 71].

فضل الذكر
1- قال تعالى: ” رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ” [النور: 37].
2- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لك من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقكم ويضربوا أعناقكم»؟ قالوا: بلى قال: «ذكر الله» رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
3- وقال رجل: يا رسول الله: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به قال: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله» رواه الإمام أحمد.
4- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعال: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعًا وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» رواه أحمد والبخاري.
5- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله تعالى فيمن عنده» رواه مسلم.

فضل التسبيح والتهليل
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن؛ سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم» رواه أحمد والبخاري ومسلم.
2- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله» متفق عليه.
3- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«التسبيح نصف الميزان والحمد لله تملؤه ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه» رواه الترمذي وصححه السيوطي.
4- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» متفق عليه.
5- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أحب الكلام إلى الله تعالى أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت» أخرجه مسلم.
فضل لا حول ولا قوة إلا بالله
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله فيقول الله: أسلم عبدي واستسلم» رواه الحاكم وصححه السيوطي.
2- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا حول ولا قوة إلا بالله دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم» رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الفرج بعد الشدة وحسنه السيوطي.
3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «استكثروا من الباقيات الصالحات التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ولا حول ولا قوة إلا بالله» رواه الإمام أحمد في المسند وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد وصححه السيوطي.

فضل الاستغفار
1- قال الله تعالى: ” فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ” [محمد: 19].
2- وقال الله تعالى: ” كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ” [الذاريات: 17، 18].
3- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
4- وقال عليه الصلاة والسلام: «قال الله تعالى: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وصلى الله على نبيه محمد وآله وصحبه وسلم.