يقول د/ إبراهيم الفقي: ‘ الاتصال كالوميض مهما كان الليل مظلمًا فهو يضيء أمامك الطريق دائمًا ‘.

وقد بدأنا الحديث بالتعريف اللغوي للاتصال ومن خلاله نستنتج ثلاث نتائج أولية:
1ـ أن الاتصال يحتوي على صلة أي علاقة بينك وبين من تتصل به.
2ـ أن الاتصال يقتضي البلاغ وهو توصيل ما تريده إلى الآخرين بصورة صحيحة.
3ـ أن الاتصال يعني الاتحاد وهو الاتفاق والانسجام مع الآخرين.
وحول هذه المعاني تقول أخصائية العلاج الشهيرة فرجينيا ساتر: ‘ الاتصال هو عملية أخذ وعطاء للمعاني بين شخصين ‘ وتقول أيضًا:
‘إن الاتصال باختصار
هو إقامة علاقة مع الشخص الآخر’.

إن هذه التعريفات جيدة للغاية إلا أن أفضل تعريف وصلت إليه هو ما ذكره الدكتور عوض القرني في كتابه ‘حتى لا تكون كلاً’ فقال عن الاتصال: ‘سلوك أفضل السبل والوسائل لنقل المعلومات والمعاني والأحاسيس والآراء إلى أشخاص آخرين والتأثير في أفكارهم وإقناعهم بما تريد سواء كان ذلك بطريقة لغوية أو غير لغوية’.

تعريف أخر :-
هي نشاط إنساني يؤدي إلى التواصل بين البشر، الغرض منه تبادل المعلومات، وهو نشاط ذو طبيعة خاصة؛ لأنه متواصل غير منقطع، لا يمكن إعادته، كما لا يمكن محوه أو عكسه.

تجربة توضيحية
دائرة الاتصال
تعالوا نحاول معًا -باستخدام مهارات الاتصال الفعال عن طريق الكتابة- أن نرسم وسيلة إيضاح تساعدنا على تخيل مسارات المعلومات أثناء التواصل مع الآخرين ومعوقاتها.
الأدوات المطلوبة:
ورقة مقاس A4، ومجموعة ألوان، وقلم رصاص.
خطوات التنفيذ:
1. ابدأ الرسم باستخدام القلم الرصاص على عرض الورقة، ارسم دائرة في حجم قبضة يدك في الطرف الأيمن من الورقة، ولوِّنها باللون الأزرق مثلاً واكتب بداخلها “أنا”.
2. ثم ارسم دائرة مماثلة لها في الحجم في الطرف الأيسر من الورقة ولونها باللون الأحمر، واكتب فيها “هو”.
3. الآن ارسم خطًّا منحنيًا يخرج من قمة الدائرة الزرقاء الخاصة بك ليصل إلى قمة الدائرة الحمراء الخاصة بالآخر، وارسم عليه أسهمًا صغيرة تبين اتجاهه من اليمين إلى اليسار، ثم اكتب فوقه بخط واضح: “إرسال”.
4. ثم ارسم خطًّا منحنيًا آخر يخرج من قاعدة دائرة الآخر ليصل إلى قاعدة دائرتك، وارسم عليه أسهمًا صغيرة تبين اتجاهه من اليسار إلى اليمين، ثم اكتب تحته بخط واضح: “استقبال”.
5. ارسم خطًّا متقطعًا مستقيمًا يصل بين دائرتك ودائرة الآخر من المنتصف، ارسمه عريضًا في شكل قوالب طوب، ولوِّنها بألوان كئيبة لا تحبها، واكتب داخل كل واحدة منها إحدى هذه الكلمات: معوقات، إزعاج، تشويش، ضوضاء، حواجز، سلبيات.. إلخ.
الشكل النهائي:
بيضاوي كبير، في كل طرف منه دائرة ذات لون مختلف، وفي وسطه صف متقطع من قوالب الطوب، يصل بين منتصفي الدائرتين.
اكتب على لوحتك عنوانًا كبيرًا: “دائرة الاتصال”.
تعالوا الآن لنشرح هذه الدائرة المهمة التي نستعملها يوميًّا مئات المرات دون أن ندري.
ببساطة شديدة، كل واحد منا عندما يريد أن يتواصل مع إنسان آخر يكون عنده فكرة معينة أو “رسالة” message يريد توصيلها له، فيبدأ في “تشفير” encoding ما يريد قوله إلى اللغة المفهومة بينهما (سواء منطوقة أو غير منطوقة، كالإشارات والنظرات)، ثم يستخدم وسائل اتصال متعددة حتى “يرسل” هذه الرسالة المشفرة من “دائرته” إلى “دائرة” الشخص الآخر (النصف العلوي من الرسم)، وعندما تصل الرسالة المشفرة إلى الآخر فإنه يقوم بعملية ” فك الشفرة” decoding أي فهم الرسالة وتحليلها، ثم يعيد إرسال “رد فعل” feedback للمرسل في صورة رسالة جديدة (النصف السفلي من الرسم)، وتستمر دائرة الاتصال ما بين إرسال واستقبال، ورد فعل، ثم رد فعل مقابل .. وهكذا إلى ما لا نهاية (نظريًّا).
ولكن –بالطبع- هذه هي الصورة المثالية، ما يحدث في الواقع أنه في معظم الأحيان توجد “معوقات” أو حواجز تُحْدِث تشويشا على عملية الاتصال الفعال نسميها noise (التي هي قوالب الطوب ذات الألوان الكئيبة).
من أهم أمثلة هذه الحواجز: النظرة السلبية المسبقة للآخر، وهو ما يسمى “قولبة” stereotyping أي وضع الناس في قوالب جامدة معدَّة مسبقا طبقا لظروف خاصة تم تعميمها على مجموعة من الناس وإصدار أحكام مسبقة عليهم، مثال: “كل الأسبان مصارعي ثيران” أو “القرويون بسطاء ومن السهل خداعهم” أو “المسلمون إرهابيون”! مع أن كل تلك الأفكار غير صحيحة على أرض الواقع، والتعامل من خلالها لا شك يشكل معوقا للاتصال الفعال.

مما سبق نستفيد عدة نقاط هامة:
1- لو تعاملنا مع الناس من خلال صورة مسبقة لم نكونها بناء على رسائلهم أو ردود أفعالهم الحقيقية فلا يمكن أن يتم أي نوع من التواصل الفعال؛ لأن هناك “تشويشا” على فهمنا، بالضبط كما لو كنا لا نتحدث نفس اللغة. الصحيح أن نبدأ التواصل في حالة من الحياد، ونجتهد في تفسير ما يَرِد إلينا من الرسائل على الوجه الصحيح، ثم نرسل رد الفعل تبعًا لذلك.
2- الشكل المثالي لدائرة الاتصال ذو طرفين Two-way communication، كل واحد منها مرسل ومستقبل في الوقت نفسه باستمرار، أما الشكل المتبع في نظم التدريس عندنا فيلغي الجزء السفلي من الرسم (الخاص برد الفعل)، ويصبح نوعًا قاصرًا من التواصل غير الفعال يسمى One-way communication أي اتصال من طرف واحد، وهو غير فعال؛ لأنه يلغي مصدرًا هامًّا للمعلومات عن مستوى استيعاب المتلقي واستعداده للمزيد من عدمه!.

عناصر رئيسية :-
1. المرسل
2. المستقبل
3. الرسالة

اولا /المرسل :
هو الشخص الذي يحمل معلومات أو رسالة معينة يريد إن يوصلها إلى الآخرين ويختار أفضل السبل للنقل هذه الرسالة حتى تكون مؤثره أكثر ..

ثانيا /المستقبل :
هو الشخص الذي يستقبل الرسالة

وحتى تكون عملية الاتصال ناجحة ومؤثرة لا بد من توافر شروط النجاح في كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة ومن الجدير بالذكر أن عملية الاتصال تمر وفق خطوات محددة لا تتم أي عملية اتصال بدونها نذكر هذه الخطوات بإيجاز:

ثالثا /الرسالة :-
يخضع اختيار الرموز التي تشكل الرسالة لقواعد فنية ودلالية ونفسية لكي يصبح لهذه الرسالة أقصي قدر من الفاعلية والتأثير إذا ما صادفت ظروفا ملائمة عند المستقبل وفى موقف الاتصالي بصفة عامة

أولا / القواعد فنية “”technical :-
تعتمد القواعد الفنية للرسالة على الدقة التي يتم بها نقل الرموز من المرسل إلى المستقبل هذه الرموز قد تكون كلمات مكتوبة أو منطوقة أو صور ………الخ

صفات قواعد الفنية :
• الانقرائية
• الانسيابية
• الرشاقة
• الوضوح
• التلوين

الانقرائية :-
يقصد بها نفاذ كلمات الرسالة إلى عقل المستقبل بسرعة وبسهولة مع القدرة على تذكر محتواها إذا دعت الضرورة
عوامل هذه الصفة “فليش roudolf flesch”
1. طول الكلمة “الكلمات السهلة الرشيقة”
2. طول الجملة
3. الإشارات الشخصية

استخدام الكلمة ذات المقطع الواحد في معظم أجزاء الرسالة والابتعاد عن الجمل المركبة , مع الاعتماد على الإشارات الشخصية ,كالأسماء والألقاب والضمائر والكلمات التي تشير إلى القرابة , بالإضافة إلى استخدام صيغة المحادثة وما تتميز به من ضيع التعجب والأمر والجمل الناقصة “الشرطية”.

الأنسابية :-
حينما تتداعي الأفكار في الرسالة في انسياب طبيعي فأن القارئ لا يستطيع إن يترك الرسالة هذه دون إن يصل إلى نهايتها . بينما يبتعد الفرد عن الرسالة بمجرد إن يشعر بفجوة بين أجزائها أو بعدم الترابط بين الأفكار التي تتضمنها

الرشاقة ” مباشر ” :-
المقصود بها إن يمس المرسل موضوعة مسا مباشرا محددا –وان يصل إلى هذه النقاط من اقصر طريق ,فلا غموض ولا معاني مشكوك في صحتها .

الوضوح :-
تساهم كل صفة من الصفات الثلاث السابقة في إضفاء صفة الوضوح على الرسالة بما يساعد على فهمها ولكي يتحقق الوضوح فلابد من توافر الصفات التالية :-
استخدام الكلمات ذات المعنى الواضح المحدد .
تأكيد المعنى بكلمات أخرى , فالتكرار هنا يساعد على الوضوح بالإضافة إلى تأكيد المعنى …
تقديم الأمثلة التي توضح المعنى للمرسل .
استخدام المقارنات التي تساعد على الوضوح , فالأشياء تتميز بأضدادها.
استخدام النقاط فهذا يساعد على سرعة الفهم والإلمام بمحتويات الرسالة , بالإضافة يؤدى إلى القدرة على تذكر عناصر الرسالة .

التلوين :-
الأسلوب الذي يسير على وتيرة واحدة يبعث على الملل , تجعل المستقبل ينصرف عن متابعتك بينما تضفي الحركة والتنوع الحياة على الأسلوب تجعل المستقبل ينجذب إليه :
تنوع في الجمل الاسمية والفعلية والأسئلة والنداء واستخدام الأمر .

ثانيا / القواعد الدلالية :- “semantic”
تؤدى الرسالة الاستجابة التي يهدف إليها المرسل حينما تتوافر فيها العوامل التالية :
1. إن تجذب انتباه المستقبل .
2. أن تستخدم رموزا تؤدى معنى واحد عند المستقبل .
3. إن تثير الرسالة احتياجات محددة عند المستقبل , وتقترح وسائل إشباعها .
4. إن يكون الوقت مناسب للرسالة .

ثالثا / القواعد النفسية :-
درس سقراط الخطابة وأسسها على الجدل والبرهان وبناها على التحليل النفسي , مما اوجب على المرسل إن يتعرف على نفسية المستقبل لتكون الرسالة مناسبة وملائمة .

أسس القواعد النفسية :-
1. الهجوم الجانبي والهجوم المباشر :
2. عرض الجانبين المؤيد والمعارض :
ضرورة الاعتراف بالآراء المعارضة والرد عليها
3. استخدام استمالات تعتمد على التخويف الشديد أو المعتدل أو البسيط .
4. الاستمالات العاطفية :
تشير بعض الدراسات إن الرسائل التي تحتوى على استمالات عاطفية أكثر فاعلية من الرسائل التي تعتمد على الحجج المنطقية وحدها .

بيئية الاتصال :-
 اجتماع عمل
 محادثة مع صديق
 مهمة تعليم
 جلسة تدريب
 جلسة خاصة مع بعض الزملاء
 لقاء عام
 الخ ………………

شروط النجاح الاتصال
1ـ وجود رغبة وحافز لدى المرسل وهذا يستدعي أن يكون له هدف واضح.
2ـ تحديد صيغة الرسالة ولا بد أثناء ذلك من توقع رد فعل المستقبل:والرسالة الناجحة هي التي تجيب على خمس أسئلة:
أـ ماذا أريد من هذه الرسالة ؟
ب ـ متى أريد ذلك ؟.
ج ـ أين أريده ؟
د ـ كيف أريد أن يتحقق ؟
ه ـ لماذا أنا أريده ؟.
3ـ إنجاز الرسالة فعلاً وتنفيذها على أرض الواقع.
4ـ استقبال المرسل إليه لرسالتك.
5ـ رد فعل ‘المستقبل أو المرسل إليه تجاه رسالتك وهو الهدف الذي تسعى لبلوغه والوصول إليه.

إذن تستخلص مما مضى أن الاتصال حتى يكون ناجحًا لا بد من ركنين أساسين:
1ـ إقامة علاقات قوية مع الآخرين والتوافق معهم.
2ـ نقل المعلومات والأفكار إلى الآخرين والتأثير فيهم بما تريد.

الصفات التي يجب ان تتوافر فى الشخص حتى يكون الاتصال ناجح :
قبل الالتحاق بأي شركة أو مؤسسة لا بد أن يكون لديك صفات تؤهلك للالتحاق بها.
وفي هذا المقال نذكر لك مجموعة من الصفات تؤهلك لتكون ممتازًا في عملية الاتصال مع الآخرين، وكلما تحققت هذه الصفات في نفسك بصورة أكبر كلما كنت أنجح في الاتصال مع الآخرين.

الصفة الأولى/ الصدق والأمانة :-
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغًا في قومه بالصادق الأمين والصفة الأساسية التي تصف بها أي نبي ورسول هي الصدق والأمانة.
بل روي الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ‘يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا على الخيانة والكذب’.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جبانًا؟ قال: نعم، قيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم. قيل له: أيكون المؤمن كذابًا؟ قال: لا.
لماذا بدأنا أول الصفات المؤهلة بالصدق والأمانة؟
إن الصدق والأمانة بمثابة الأساس الذي سنؤسس عليه عملية الاتصال مع الآخرين بأكملها، ومنذ الآن إلى نهاية هذا الباب تذكر دائمًا الصدق والأمانة، وأن أي شيء ستفعله في اتصالك مع الناس عليك بداية أن تكون صادقًا معهم أمينًا لهم.
فحينما نتكلم عن التقدير مثلاً تقديرك للشخص الآخر عليك أن تكون صادقًا في تقديرك له وفي الصفات الحميدة فيه، لا كما يظن البعض أن التقدير يعني عبارات مدح جوفاء وتملق ليس له علاقة بالحقيقة. وكذلك كن أمينًا في تقديرك تقدر الشخص وتثني عليه بما ينفعه ويعطيه الثقة في نفسه، فلا تسرف مثلاً في الثناء والمدح حتى يصاب الشخص بالعجب والغرور.
يقول د يل كارينجي ‘فما الفرق إذن بين التقدير والتملق؟
الأمر بسيط الأول نقي خالص والآخر يصدر عن اللسان، الأول مجرد من الأنانية، والثاني قطعة من الأنانية، الأول مرغوب فيه من الجميع، والآخر مغضوب عليه من الجميع.

الصفة الثانية/ العدل:-
العدل مأخوذ من العِدلة وهي إحدى شقى حمل البعير، فالعدالة هي تعادل شقى حمل البعير وتوازنها. لذا فالعادل هو الذي عدل في حكمه وسوى بين طرفي القضية.
وقد جاء الأمر بالعدل في آيات كثيرة في كتاب الله وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل:90]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء:135].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‘إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا’.
فحتى تنفذ أمر الله وتفوز بمنابر من نور عليك أن تحقق العدل في اتصالك مع الناس.
وكما ذكرنا فإن العدل موازنة بين طرفين وهكذا فإن اتصالك مع الناس يجب أن يكون متوازنًا بين طرفين وهما:
طرف السلبية × طرف العدوانية
فالشخص السلبي هو: الذي يقسم نفسه على أنها أقل أهمية من الآخرين ويتنازلوا عن حقوقهم وأرائهم ومشاعرهم دائمًا أمام حقوق الآخرين.
أما الشخص العدواني فهو على العكس تمامًا فهو يقيم نفسه على أنها أكثير أهمية من الآخرين ودائمًا ما يستبد برأيه وحقوقه ومشاعره على حساب حقوق الآخرين.
أما الشخص العادل فهو: أن تدرك أن احتياجاتك وحقوقك وأرائك ومشارعك ليست أقل أو أكثر أهمية من تلك التي تخص الآخرين، وأنها تتساوى معها في الأهمية، ولذا ففي ظلال العدل فأنت تطالب بحقوقك واحتياجاتك وتعبر عن آرائك ومشارعك في قوة ووضوح وفي الوقت ذاته تحرتم وجهة نظر الآخرين وتستمع إليها وتتقبلها.
وهذا يضمن لك أنك لن تخرج من المواقف وأنت تشعر بعدم الارتياح من نفسك أو تترك الآخرين يشعرون بعدم الارتياح.
حتى تحقق العدل في تعاملك مع الناس اتبع الخطوات الآتية:

1ـ قرر ما تريد.
2ـ وضح هذا بصورة واضحة.
3ـ فكر في أكبر عدد ممكن من طرق التعبير عن قرارك على قدر استطاعتك.
4ـ أنصت إلى الآخرين واحترم أرائهم.
5ـ تقبل النقد من الآخرين وناقشه، وعند انتقادهم انتقد أعمالهم لا شخصيتهم.
6ـ لا تتردد في قول ‘لا’ إذا ما احتجت إليها.

ـ الإمام علي رضي الله عنه يضرب لنا مثالاً في العدل:
فقد سقط منه درعه في معركة صفين فبينما يمشي في سوق الكوفة يمر أمام يهودي يعرض درعه للبيع فقال لليهودي هذه درعي [يعبرعن حقوقه في قوة ووضوح] فقال اليهودي بل هي درعي وأمامك القضاء [يعبرعن حقه أيضًا] فيذهب الإمام علي للقاضي شريح ويقف هو واليهودي أمام شريح القاضي.
فقال شريح: البينة على من ادعى. فقال علي: إن الدرع درعي وعلامتها كيت وكيت. وهذا الحسن بن علي شاهدي على ذلك [يستخدم أكبر قدر من طرق التعبيرعن رأيه] فيقول شريح يا أمير المؤمنين إني أعلم أنك صادق ولكن ليس عندك بينة وشهادة الحسن لا تنفعك لأنه ابنك وقد حكمنا بالدرع لليهودي [يحترم الإمام علي النقد ويقدر وجهة نظر الآخرين]. ومن خلال هذا الموقف الرائع في العدل وفي الاتصال الصحيح يدرك اليهودي أن هذا هو دين الحق فيقول: ‘والله إن هذا الدين الذي تحتكمون إليه لهو الحق الناموس الذي أنزل على موسى وأنه لدين حق ألا إن الدرع درع أمير المؤمنين، وأني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

الصفة الثالثة/ الرحمة:-
يقول تعالى في كتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ‘الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء’ ويقول أيضًا عليه الصلاة والسلام: ‘إنما يرحم الله من عباده الرحماء’.
ـ الرحمة هي بلسم العلاقات مع الآخرين، وروح الاتصال الصحيح وبدونها تصبح الحياة جافة جدًا وتفقد قيمتها ولا يصبح للاتصال معنى ولا روح.
أساس مهم جدًا في اتصالاتك وعلاقاتك الرحمة، أن تشعر بالآخرين وتحب الخير لهم وتقدر مشاعرهم وترى أحوالهم وظروفهم وبالرحمة يلتف الناس حولك ويحبونك ولا يملون من الجلوس معك والحديث إليك. قال تعالى في كتابه الكريم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159].
لقد وصلت هذه الصفة إلى ذروتها في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أرحم نبي بأمته وأرحم أب بأبنائه، وأرحم زوج بأزواجه، وأرحم قائد بجنوده.
ها هي زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم ترسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابنها يحتضر وتطلب منه أن يأتي إليها، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليها أن لله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار.
فقالت أقسمت عليك أن تأتي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ الصبي بين يديه ولنفسه صوت قعقة فبكى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سعد بن معاذ فقال أتبكي يا رسول الله؟ قال: نعم يا سعد هذه رحمة يجعلها الله في قلوب عباده.
ـ حتى الجنة يا أخي الجنة رحمة، جاء في الحديث أن الله يقول للجنة: ‘أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي’ ولا دخول الجنة ولا تنعم إلا برحمة الله تعالى’.
ـ إن البشرية اليوم تعيش في مأساة عظيمة حروب وكوارث ومؤامرات وخيانات ويعاني ملايين النساء والأطفال والشيوخ والرجال من الظلم والقهر وقلة الأمان والخيانة والمكر والخداع، ولذا فاتصافك بالرحمة أيها القارئ العزيز ليس مفيدًا لك ولا للمحيط الضيق الذي تعيش فيه فحسب بل هو مفيد للبشرية المنهكة المتعبة جمعاء

الصفة الرابعة/ التواضع:
قال تعالى في كتابه الكريم: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83].
وقال صلى الله عليه وسلم: ‘وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله’.

التواضع أساس هام جدًا في اتصالك مع الآخرين فالشخص المتكبر مهما تعلم من فنون الاتصال والتعامل مع الآخرين لن يصل إلى اتصال ناجح حقيقي، وذلك لأن تكبره سيظل حاجزًا منيعًا بينه وبين الناس.

إن الكبر بمثابة الجدار العازل يعزل صاحبه عن الاتصال بالعالم الخارجي فهو يمنعك من الاتصال بالله قال تعالى في الحديث القدسي: ‘الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدًا منهما ألقيته في النار ولا أبالي’.
ويمنعك من الاتصال بالجنة ودخولها: ‘لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر’.

ولك أن تتأمل يا أخي رجل فقد الاتصال بالله وبالجنة وبالناس ماذا ستكون قيمته ووزنه في هذه الحياة الدنيا ؟

لا شيء.

ومرة أخرى نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يضرب لنا المثل في التواضع فقد روي الإمام البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: ‘إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت’ فكن متواضعًا إلفًا محببًا سهلاً مع الناس.

الصفة الخامسة/ الحلم والأناة والرفق:
تحتاج إلى هذه الصفات كثيرًا في اتصالك مع الناس فإنه من المعلوم بالضرورة أن الكمال لله وحده عز وجل وأن النقص من طبيعة البشر لذا ينبغي أن نتوقع الخطأ والزلل من الآخرين، فعليك أن تكون حكيمًا مع الناس كاظمًا لغيظك رفيقًا بهم مقدرًا طبيعة النقص في تكوينهم، وإن لم تفعل ذلك وسرت وراء غضبك فقد تنصرم أواصر الأخوة والمحبة ويدب الشقاق والنزاع والخلاف، قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطبا أشج عبد القيس: ‘إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة’.
ولم لا تتصف بالرفق وقد قال صلى الله عليه وسلم: ‘إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما يعطي على ما سواه’ وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: ‘إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه’.

الصفة السادسة/ قبول الآخرين على ما هم عليه الآن :-

تقبل الآخرين بكل ما هم فيه الآن بسلوكهم وصفاتهم وأخلاقهم وأفكارهم ومشاعرهم، تقبل ذلك لأن هذا هو الواقع ونحن لا نعني بالتقبل أنك توافق على كل أفكارهم أو اعتقاداتهم أو مشاعرهم، فإنك ستجد في العالم حولك أصناف شتى من الناس ستجد المسلم والكافر والمؤمن والفاسق، والأمين والخائن، والصديق والعدو، والعصامي والعظامي، والصادق والكاذب، والمتواضع والمتكبر إلى غير ذلك من المتناقضات، وإنما أقصد تقبل كل هؤلاء لتقيم علاقات معهم وتتصل بهم، وتتعامل معهم بأسلوب صحيح فهذا تستفيد منه، وهذا تصلحه وهذا تحجم عن شره وهذا تغيره.
مثال : دائرة على الصبورة فيها نقطة سوداء
وجه نظرك مختلفة
مثال :حديث الرسول مع الإعراب كان يتكلم مع كل اعرابى على لهجته

والمتتبع للسنة يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيم علاقات واتصالات مع كل الناس بجميع أصنافهم، فتجده في موقف جالس مع كفار قريش يناقشهم ويدعوهم إلى الإسلام، وفي موقف آخر مع أصحابه يعلمهم دينهم، وفي موقف ثالث يزور جاره اليهودي المريض، وفي موقف رابع مدعو إلى طعام من رجل يهودي، وفي موقف خامس مع أزواجه يداعبهم، وفي موقف سادس مع الجارية منطلقة معه حيث شاءت.

بعض الناس وبكل أسف لا يتصل إلا مع من يوافقونه ويعزل نفسه عن مجتمعه وعن العالم الذي يعيش فيه، وبعضهم يردد كثيرًا أن أغلب الناس لا يعجبونه، وأنهم بحاجة إلى التغير حتى يتصل بهم.

وهذا فهم خاطئ، لا تنتظر التغيير من أحد بل غير أنت من نفسك، أنت لديك القدرة على التعامل والاتصال مع جميع البشر ومع كل البشر ولكن إذا غيرت من نفسك وصلت لهذا المستوى العالي من الاتصال اللامحدود وتذكر دائمًا أن التغيير يأتي من الداخل لا من الخارج وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

هناك مثل صيني يضرب لهؤلاء:
‘أن هناك شاب في العشرين من عمره قرر أن يغير العالم كله خلال عشرين سنة، وبعد عشرين سنة وحينما صار في الأربعين من عمره وجد صعوبة شديدة في ذلك، وأنه لم يستطع أن يغير العالم فقرر أن يغير بلده خلال عشرين عامًا، بعد عشرين عامًا وحينما صار في الستين من عمره وجد أنه لم يصنع شيئًا، فقرر أن يغير من مدينته خلال عشرين عامًا، وبعد عشرين عامًا وحينما صار في الثمانين من عمره، قرر أن يغير من أسرته وبعد عشرين عامًا وحينما صار في المائة من عمره، ووجد أنه لم يغير شيئًا اكتشف أخيرًا الحقيقة المرة.