من أسس الإيمان لدى كل مسلم أن يعلم كل مسلم أن الله تعالى معه ويعلم تفاصيل ما يقوم به، قال تعالى:” ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد” (ق :18). وقال تعالى:” إن الله كان عليكم رقيبا” (النساء:1)، وفي حديث أبي برزة الأسلمي مرفوعا:” لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه” . ولو استشعر كل مسلم هذا الحديث لصلح حاله، ومن ثم ارتقى المجتمع الإسلامي إلى ما نطمح إليه من تطور ورقي بين أمم الأرض.
ومن أعظم ما يقي من الفساد السعي لمرتبة الإحسان التي حدد النبي صلى الله عليه وسلم معالمها في حديث جبريل والذي فيه: قال جبريل: ما الإحسان؟ فقال صلى الله عليه وسلم:” أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك” .

مسؤولية العامل وصاحب المنصب:
وكثير من الناس يحب أن يكون من أهل المناصب والمسؤولية لأنه ينظر إلى ما يحصله صاحب المنصب من شهرة ومكانة ولكنه ينسى أن المنصب تكليف لا تشريف، وأنه مسئول أمام الله تعالى في عمله، فقد روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية عن بيت بعلها وولدها وهي مسئولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” .
ونجد أن الشارع قد نمى الرقابة الذاتية بذكر ما للعدل من ثواب، وما للجور من عقاب. فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن عظم جزاء العادل عند الله فقال:” إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّـوا” ، وفي الحديث الآخر:” ما من أمير عشرة إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور” . وفي رواية: ( ما من أمير عشرة إلا جيء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه حتى يكون عمله هو الذي يطلقه أو يوبقه ) . وقال شيخ الإسلام :” إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة ، ويقال : الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام …وذلك لأن العدل نظام كل شيء” .
وفي حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب على منكبه ثم قال : أفلحت يا مقدام إن لم تكن أميرا ولا كاتبا ولا عريفا ) . وثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله عليه وسلم : ( إنكم ستحرصون على الأمارة وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة) ، وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه:” إن شئتم أنبأتكم عن الأمارة، أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة، إلا من عدل” ، وقال صلى الله عليه وسلم لعبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه:” يا عبدالرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها” . ويحكي صلى الله عليه وسلم موقفا من مواقف القيامة فيقول:” ليودن رجل أنه خر من الثريا وأنه لم يل من أمر الناس شيئا” ، ولا شك أنه لو قام بالمنصب حق القيام لسعد بعمله.
“والزجر عن طلب الولاية من الأمور التي ينفرد بها الإسلام حيث ندر أن تجد في أدبيات الإدارة العامة مثل هذا الزجر عن الحرص على الوظيفة، ولعل إحدى المشاكل التي تعاني منها الإدارة العامة وجود أشخاص مسئولين ذوي كفاءة متدنية يستميتون في البقاء في المنصب ولا يودون أن يتزحزحوا عنه ولا يسمحون لغيرهم من الأكفاء أن يصلوا إليه، وهذا سر التغليظ في هذا الأمر” .

الوالي أجير:
وقد كان هذا الأمر واضحا عند الرعيل الأول فقد دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما فسلم عليه بلفظ:” أيها الأجير” فلما استنكر الجالسون ذلك، قال: إنما أنت أجير، استأجره رب هذه الغنم لرعايتها، فإن أنت هنأت جرباها وداويت مرضاها وحبست أولاها على أخراها، وفَّاك سيدها أجرها،وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو مرضاها ولم تحبس أولاها على أخراها عاقبك سيدها” .

الإخلاص للعمل وبذل الجهد فيه:
ويجب على كل متولٍّ لأمر من أمور المسلمين أن يكون مخلصا لعمله، واستحضاره لهذا الشعور يقوي الرقابة الذاتية في كل وقت. وقد روى مسلم أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار في مرضه فقال له معقل إني محدثك بحديث لولا أني في الموت لم أحدثك به سمعت رسول الله  يقول ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة . وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:( ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه رائحة الجنة) . بل إن العامل والموظف إذا نصح في عمله وتفانى في أداء واجباته فقد كسب الخيرية من أزكى البشرية، وما أعظمه من وسام، فقد قال عليه الصلاة والسلام:” خير الكسب كسب العامل إذا نصح” .

الرفق بالموظفين والمراجعين:
ومن أعظم ما يمنع من التعدي والظلم استحضار تلك الدعوة النبوية لمن رفق بمن هم تحت مسؤوليته، فقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اللهم من ولي من أمر أمتي أمرا فرفق بهم فارفق به ومن ولي من أمر أمتي أمرا فشق عليهم فاشقق عليه ) ، وهو عام في كل ولاية . وقد وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال:” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعفُ عنهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله..”(آل عمران:159). ومن حمل هذا الشعور فإنه يبعد أن يحصل منه تعدّ على موظف تحت يده أو منعه من حقه، وهذه رقابة إيمانية دائمة وهي أنجح الوسائل الرقابية على الإطلاق.

تقوية الأمانة المالية:
وحيث أن من أهم الأمانات اللازمة في كل من عين في المنصب الإداري؛ الأمانة المالية، ومن أصعب أنواع الرقابة، الرقابة على الاختلاسات المالية اليسيرة، والتعدي على الممتلكات العامة. وهذا من خيانة الأمانة وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }(الأنفال27)، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلولا، ففي صحيح مسلم عن عدي بن عميرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه وسلم قال:( من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان ذلك غلولا يأتي به يوم القيامة ) . وفي الحديث الآخر:” من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول” .
وفي المقابل فإن المتصف بالأمانة له أجر عظيم، فقد قال الله تعالى صفات أهل الأيمان:” والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون” (المؤمنون:8)، و قال صلى الله عليه وسلم:” الخازن الأمين الذي يؤدي ما أمر به طيبة نفسه، أحد المتصدقين” . وفي الحديث الآخر:” العامل بالحق على الصدقة كالغازي في سبيل الله عز وجل حتى يرجع إلى بيته” . وهذه حوافز إيمانية تجعل العامل يتفانى في عمله ويجتهد فيه وهو مليء بسعادة غامرة لأنه في عبادة ما دام في عمله، وكل ما يؤديه لبيت المال فكأنه متصدق به.

محاربة التعيين للقرابة، والواسطة:
ومن أكثر أنواع الفساد الإداري انتشارا في البلاد العربية التعيين بالواسطة أو للقرابة. وقد ورد التحذير الشديد من ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : “من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله” .

مكافحة الرشوة

كما أن الرشوة فساد آخر ورد التحذير منه في قوله صلى الله عليه وسلم:” لعن الله الراشي والمرتشي” . ويدخل فيها الهدايا والخدمات التي تقدم للموظفين، لقوله صلى الله عليه وسلم:” هدايا العمل غلول” ، وقد حاسب النبي صلى الله عليه وسلم على تلك الهدايا ووعظه وحذره، ففي صحيح البخاري عن أبي حميد الساعدي قال استعمل رسول الله  رجلا على صدقات بني سليم يدعى بن اللتبية فلما جاء حاسبه قال هذا مالكم وهذا هدية فقال رسول الله  فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يده حتى روي بياض إبطه يقول اللهم هل بلغت بصر عيني وسمع أذني .

التعامل مع الرئيس في العمل:
من الشائع في كثير من المنشآت، التنازع والتخاصم بين الرئيس والمرؤوسين، وقد حسم الشرع هذه القضية بتحتم طاعة الرؤساء بالمعروف، ودليل ذلك ما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة” ، وهذا في الولاية العامة ويدخل فيها الولاية الخاصة، وروت لنا كتب التراث عن أحد ملوك الفرس الحكماء وهو ابرويز بن هرمز أنه قال: أطع من فوقك يطعك من دونك . ونجد في تراثنا بعض وصايا ذوي التجربة لكيفية التعامل مع السلطان، ولا بأس أن تستخدم في التعامل مع ذوي المناصب العالية ، فمن ما ورد في ذلك :
• قال العباس لابنه عبدالله رضي الله عنهما وقد كان يختص بعمر رضي الله عنه : يا بني إني أرى هذا الرجل يدنيك وإني موصيك بخلال: لا تفشين له سرا ولا تخونن له عهدا ولا تغتابن عنده أحدا ولا تطوين عنه نصيحة .
• وقال أبو الفتح البستي : أجهل الناس من كان على السلطان مدلاًّ وللإخوان مذلاًّ .
• وقال الفضل بن الربيع : مساءلة الملوك عن أحوالهم تحية النوكى .
• وقد بالغ بعضهم فقال: لا تسلم على الملك فإنه إن أجابك شق عليه وإن لم يجبك شق عليك . وهذا مخالف لأدب الإسلام ، ومثل ذلك ما ذكروا من عدم تشميته وألا يعزيه وكل هذا تعظيم مردود .
• وقال ابن عباد :
إذا صحبت الملوك فالبس من التحلي أجل ملبس
وادخل عليهم وأنت أعمى واخرج إذا ما خرجت أخرس

أداء العمل في مساعدة المراجعين قربة جليلة:
كما أننا نجد في الشرع المطهر التأكيد على أن خدمة الناس وقضاء حوائجهم من أشرف القربات، وأجل العبادات، ففي الحديث الشريف:” أحب العباد إلى الله أنفعهم لعياله” . وهذا ما يشعر الموظف بمتعة أثناء تأديته لعمله، مما يؤثر إيجابا في أدائه العام.

مبدأ “استفت قلبك”:
ونجد أن الشريعة السمحة قد جعلت للوازع الداخلي للموظف بل وكل مسلم أهمية جليلة في التمييز بين الحسن والقبيح عند الاشتباه، وهو ما يعرف بالضمير. فقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس” . وفي الحديث الآخر:” استفت قلبك وإن أفتاك المفتون” ،وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” دع ما يريبك إلى ما لا يريبك” .

محبة الخير للغير:
ومن صور الرقابة الذاتية في التعامل مع المراجعين أو الموظفين الآخرين المبدأ النبوي العظيم الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم:” أحب للناس ما تحب لنفسك” .

اتجاه الدول الحديثة لتقوية الرقابة الذاتية:
وحيث أن كثيرا من الدول ليس لها معايير أخلاقية سماوية فقد اتجهوا إلى إنشاء ميثاق لأخلاق العمل، وقد أكدت دراسة صادرة عن الأمم المتحدة أن وجود ميثاق لأخلاق العمل يعتبر من الوسائل الوقائية المهمة لمحاربة الفساد في الدول النامية . ويؤكد بعض الباحثين أن ذلك لا يكفي، بل لا بد من غرس القيم الأخلاقية للموظفين وتنمية الرقابية الذاتية من خلال غرس تلك القيم في التعليم العام، ومن خلال التدريب المتواصل .
وقد كثرت الدعوات من قبل المختصين في الإدارة في الدول الغربية إلى استخدام القيم والعادات التي تحث على الالتزام، وهو ما يطبق عليه: أسلوب استخدام القيم في التحكم في السلوك الإنساني (Ethics as Behavior Control)، ويدخل في ذلك مواثيق العمل وأخلاقيات المهنة .