هناك أمور تُعْين على تنفيذ العمل وإنجازه وجعله مثمراً ، نذكر منها ما يلي :
أولاً : الثقة بالنفس :
إن عدم الثقة بالنفس لَتَدْعو الإنسان لَيَثَّاقل بنفسه عن المبادرة ، وتُعْطِيه النتيجة مقدَّماً قبل المحاولة بل قبل التفكير : أنّه فاشل .
وليُعْلَم أنّه لا شيء أضرّ على الإنسان من عدم ثقته بنفسه ، ولا شيء يهدم ثقة الإنسان بنفسه أكبر من جهله بها ، وأعظم الجهل بالنفس احتقارها والنظر الدُّوْنيّ لها ، ولا شيء يصنع النجاح مثل الثقة بالنفس.
كيف تبني ثقتك بنفسك ؟ سؤال تجيب عنه أمور ثلاثة ، وهي كالتالي :
1ـ اعرف نفسك ! أول خطوة في طريق بناء الثقة بالنفس هي معرفة الإنسان نفسه فيتأملها ، ويعرف مميزاته وكيف يستثمرها ، ولا شيء أضرّ على الإنسان من احتقاره لنفسه، والنظر السلبي لها .
2ـ طوِّر نفسك ! بحيث يحدِّد الإنسان نقاط قوته ويسعى في تطويرها ، ويجتهد في التعلم والتدرب والتمرن.
3ـ تخلّص من عيوبك ! وذلك بتحديد نقاط الضعف وجوانب النقص ، ومن ثمَّ يسعى المرء في علاجها وإصلاحها.
ثانياً : علو الهمة :
لولا علو الهمة ما سَمَتْ أفكار العظماء إلى إنجاز ، ولَقَنَعَ كلٌ بالموجود ، ولَكَان شعار الكل : (ليس في الإمكان أحسن مما كان !) .
وإذا كانت النفوسُ كباراً
تَعِبَتْ في مرادها الأجسامُ
كان لعمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ همة عالية ، تظهر جليَّة في قولته المشهورة : “إنّ لي نفساً توّاقة ! تَمَنَّيْتُ الإمارة فَنِلْتُها ، وتَمَنَّيْتُ أن أتزوَّج بنتَ الخليفة فنِلْتُها ، وتمنيَّتُ الخلافة فنِلْتُها ، وأنا الآن أتوق للجنة ، وأرجو أن أنالها” .
قال ابن الجوزي يرحمه الله : (ما ابتُلي الإنسان قطُّ بأعظم من علو همته ، فإنَّ مَنْ عَلَتْ همته يختار المعالي ، وربما لا يُسَاعد الزمان وتَضْعُف الآلة ويَبْقى في عذاب) .
قال ابن نباتة :
أَعَاذِلَتي عَلَى إتْعَابِ نَفْسِي
إِذا شَامَ الفَتَى بَرْقَ المَعَالي
ورعْيي في الدُّجَا رَوْضَ السُّهَادِ
فأَهْوَنُ فَائِتٍ طِيْبُ الرُّقَادِ
ثالثاً : الجدّ :
الجدّ هو أخذ الأمر بحزم وقوة ، وعدم التراخي في التعامل مع الأشياء ، وهو الروح التي تسري في العمل ، فتجعله يُثْمِر ، وبدون الجد تُصْبِح الأعمال ميّتة مملَّة .
قال الشيخ بهجة الأثري : “انقطعتُ عن حضور درس العلاّمة أبي المعالي محمود شكري الآلوسي في يوم مزعجٍ شديدِ الريح غزيرِ المطر كثيرِ الوحل ؛ ظناً مني أنه لا يَحْضُر إلى المدرسة ، فلما حضرتُ في اليوم التالي إلى الدرس صار يُنْشِدُ بلَهْجَة الغضبان :
ولا خير فيمن عاقه الحرُ والبردُ ..”
كيف تكتسب صفة الجد ؟
لكي تُكتسَب صفة الجد لابدّ من بذل الأسباب المعينة على ذلك ، ألا وإن من أهم الأسباب ما يلي :
أولها : مصاحبة الجادّين ، إذ الصاحب ساحب ، والطباع سرَّاقة،والإنسان مجبول على التقليد خاصة بمن يُعْجَب به أو بصفة من صفاته .
ثانيها : قراءة سير العظماء ، فهي من أعظم وسائل حفز الناس على الجد .
ثالثها : المقارنة بين نتائج أعمال الجادّين وأعمال غيرهم .
رابعها : الابتعاد عن مصاحبة الهازلين ، والفرار منهم فرار الإنسان من الأسد،فإنّ المرء لا يَنَال منهم إلاّ تَثْبِيْط الهمَّة ، وإضاعة الوقت ، والتجافي عن معالي الأمور ، والتَّلهِّي بدَنِيْئِها .
رابعاً : الصبر : ويكون بالدوام على الجِدّ .
والصبر هو حبس النفس على ما تكره لمصلحة ، وبدونه لا يحصل خير دنيوي ولا أُخْرَوِي ، وقد قيل : (بالصبر واليقين تُنَال الإمامة في الدِّين) . فبالصبر تحصل البُغية ، ويتحقّق المُراد بإذن الله تعالى .
قال المحدِّث أبو بكر الأبهري ـ رحمه الله ـ : “قرأت مختصر ابن عبد الحكم خمسمائة مرة ، والأسدية : خمس وسبعين مرة ، والموطأ : خمس وأربعين مرة ، ومختصر البرقي : سبعين مرة ، والمبسوط: ثلاثين مرة” .
وكان الْكِيا الهرَّاسِي يُعِيد الدرس إذا حفظه : مائة وأربعين مرة .
أَخْلِق بذِي الصَّبْرِ أَنْ يَحْظَى بَحَاجَتِهِ
وَمُدْمِن القَرْعِ للأبوابِ أَنْ يَلِجَا
ثم ليتذكر المرء أن النجاح يأتي بالمثابرة لا بالسرعة .
خامساً : العلم :
مَن أراد نيل مراده ، وتحقيق هدفه : فلْيَسْع إلى تعلُّم أفضل طريق موصل إليه ، ولْيَسْتفد من خبرات الآخرين .
قال ابن القيم يرحمه الله : (الجهل بالطريق وآفاتها يوجب التعب الكثير مع الفائدة القليلة).