غالب المشاكل لا تولد فجأة بل لها مسببات وعوامل تذكيها حتى تقع، ففي جانب التربية مثلا لا ينحرف الشاب أو الفتاة هكذا في يوم وليلة، بل في تدرج يطول أو يقصر، مع وجود عوامل مساعدة للانحراف، كصديق السوء مثلا أو القنوات أو الهاتف أو غيرها، ولهذا فإن من عوامل علاج المشكلة، معرفة جذورها، ومعالجتها معالجة تامة وليست آنية ووقتية فقط، وقد يطول العلاج بحسب الإهمال السابق وبحسب العامل المؤثر وقوته، وكذلك بحسب شخصية المنحرف وغيرها.
حفظ اللسان
بعض المشاكل يكون وقودها اللسان، فقد ينقل كلام إلى الطرف الآخر، والأمور متيسرة، فإذا بها تتعسر؛ ولهذا فإن صور اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والبهتان والاستهزاء والتحقير والشتم والسب واللعان، يؤجر عليه المسلم، فما بالك إذا كان ذلك في معمعة المشاكل، والصدور قد امتلأت؟ ولا يضرك أن يكون الطرف الآخر قد أخذ بهذه الأمراض وأجراها على لسانه فخير لك أن لا تتبعه في ذلك، وتوكل على الله، واسأله أن يكفيك الشر، وأن يصرفه عنك.
علاج المشاكل
ليس معناه القضاء عليها وإنهاءها تماما
ولكن إذا وقعت مصيبة كالطلاق مثلا يكفي من الحلول إيقافها عند حدها، حتى لا تنتشر فتضر، وتسوء عشرة ما بعد الطلاق،وخاصة إذا كان هناك أبناء، ثم هي أيضا قد تعالج ما بعد مشكلة الطلاق فيعود الزوج إلى زوجته والأم إلى بيتها أو الأبناء إلى دارهم، ويكفي من العلاج عدم انتشار المشكلة وشيوعها وتصاعد حدتها، ولو أن مريضا انكسرت يده وأتى للطبيب فإن العلة موجودة، لكنه يجعل لها جبارة من جبس حتى تتعافى رويدا رويدا، ثم يعطى مسكنات حتى تستمر عملية الجبر في الطريق الصحيح.
لا تجعل المشكلة تأخذ كل وقتك
لا شك أن المشكلة التي وقعت فيها، كبيرة وعظيمة كما تظن لكن ليست هي كل شيء، فلا تأخذ منك كل شيء، ولا تأخذ جل وقتك وتفكيرك، مما يؤدي بك إلى مشكلة أخرى، وهي تعطيل أعمال أخرى وزيادة القلق والاضطراب، بل أنزل هذه المشكلة منزلتها، وأد أعمالك كما كنت تعمل، بل واجعل لك زيادة وقت، في الترويح عن النفس ولقاء المعارف والأصدقاء حتى تعوض ما فقدته من انشراح وسرور.
معرفة شخصية الطرف الآخر
بعض المشاكل يوجد فيها طرف آخر أو أطراف أخرى، ولنمثل بالزوج وزوجته أو الابن وأهله، ولمعرفة شخصية الطرف الآخر أهمية في اتخاذ القرار المناسب، فبعضهم مزاجي الشخصية، والآخر عطوف وحنون، والثالث يندم ويثوب إلى رشده سريعا، والرابع إذا خوف بالله عز وجل يخاف وهكذا.
وقد ينطلق الحل من معرفة المدخل الصحيح لشخصيته.
البيئة المحيطة
لكل مشكلة أو قضية بيئة تنشأ فيها، فلا بد من معرفة هذا الوسط، ومن يؤثر على الطرف الآخر في هذا الوسط، وبالإمكان إرسال رسائل مع الوسيط لمعرفة آلية تفكيره وماذا يريد أن يفعل وكيف يتصرف؟ وهكذا وبعض الناس لهم أشخاص يعتبرون مرجعا لهم في كل شيء فيحسن معرفة من يستشير؟ ولمن يرجع؟ فلربما تم اتخاذ القرار عن طريق من يؤثر عليه من وسطه من الأقارب أو الأصدقاء أو المعارف أو غيرهم.
الاطلاع على أحوال الناس
في بعض المجالس، يستطيع الإنسان أن يثير قضية مشابهة لقضيته، فيدع الحضور يتحدثون ويلقون بالآراء والحلول، وأنت تستمع إلى الحلول وتختار أجودها، ولسوف ترى كيف هي أحوال الناس وكيف مرت بهم الأزمات؟ بل وقد تكون أشد من أزمتك.. وفي حديث الناس تسلية لقلبك، وأنك لست في المشاكل لوحدك ولا يخلو بيت من مشكلة، لكن الأحوال مستورة والبيوت معمورة والمطلع هو الله عز وجل..
الاستعانة بالمراكز الاستشارية المتخصصة
نشأت في الفترة الأخيرة، بعض المراكز الاستشارية؛ خاصة فيما يتعلق بأمر المعاملات الزوجية، وكيفية حل الخلافات، وكذلك الاستشارة في أمر تربية الأبناء، وأفضل الطرق لتربيتهم ومن تلك المراكز ما هو تابع لمؤسسات خيرية كمشروع الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله لمساعدة الشباب على الزواج، ومنها ما هو مرتبط بجهات أخرى، ولعل فيها بعض التجارب والآراء النافعة.
الاستشارة
إذا وقع الإنسان في أمر من أمور الدنيا، فإنه يحتاج لحله وتجاوزه، إلى رأي صائب وفكر مستنير، يستعين به بعد الله عز وجل؛ وهنا يبرز السؤال الهام في هذه المرحلة: من يستشير؟ وإلى من يبث شكواه وهمه؟
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تكلم فيما لا يعنيك واعرف عدوك واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تمش مع الفاجر فيعلمك من فجوره ولا تطلعه على سرك، ولا تشاوره في أمرك، إلا الذين يخشون الله عز وجل.
ومن تأمل في أحوال المستشار يجد العجب، فبعضهم ليس لديه تجربة حتى نقول: إنه صاحب خبرة، والآخر ليس لديه علم شرعي؛ حتى يستهدى به، والأخرى من النساء تجدها حين تستشار عجلة في التوجيه بترك الزوج، وأنه لا فائدة في الجلوس معه، ثم هي بعد أن تنهي المكالمة، تذهب لزوجها وتترك المسكينة تتجرع مرارة استشارتها طلاقا وفراقا، وهناك من قد يستشيرهم المرء وفي قلوبهم مراتع من الحقد والحسد.
فالمقترح الأول: أن يستشير من هم بعيدون عنه، حتى يحتفظ بأسراره ومشاكله، بعيدا عن نشرها وإذاعتها.
والمقترح الآخر: أن من يستشيرهم : أهل العلم والفضل، فيجمع بين أمرين: عدم إفشاء أسراره لأحد لكثرة من يتصل على العلماء والمشايخ، والآخر أنهم أهل فضل وورع، يدلونك على حل فيه العلم والنور بإذن الله ولا يمنع أن يتصل على أكثر من طالب علم، فالمشاكل ليست مثل الفتاوى.
ولطبيعة المشكلات وطول شرحها، فالمقترح أن يهاتف طلبة العلم دون المشايخ الكبار، لضيق أوقاتهم وانشغالهم بأمور الفتيا، مع الدقة في اختيار عناصر المشكلة من وجهة نظر منصفة، أي أن يذكر وجهة نظر الطرف الآخر أيضا حتى يكون الحل إيجابيا.
الاستخارة
تطرق سمعك وتدور بخلدك بعض الحلول، فعليك بعد الاستشارة وسماع الآراء لحل المشكلة؛ الاستخارة الشرعية التي دل عليها النبي كما في الحديث: “إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم فإن كنت تعلم هذا الأمر وتسميه باسمه، خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره ويسره لي ثم بارك لي فيه؛ اللهم وإن كنت تعلمه شرًا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاصرفني عنه واصرفه عني، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به ولا حول ولا قوة إلا بالله”[أخرجه الطبراني عن ابن عمر].
الوقت والزمن
الوقت جزء من العلاج، بل قد يكون لوحده علاجا فالأيام تمر مر السحاب، والليالي تجري ولا تقف، فينسى الميت، وتتزوج المطلقة ويكبر الصغير، وتسلى الأم عن رضيعها، والله المستعان.
فدع الأيام تمر، واكسب عملا صالحا، يقربك إلى الله زلفى، فإن الأيام تأخذ دورتها، والأنفاس إلى أجلها، ثم يأتي هاذم اللذات ليحمل قلبا حمل هما، وعقلا تعب تفكيرا، ثم الجزاء والحساب، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
تفويض الأمر إلى الله
الإنسان يكد ويكدح في هذه الدنيا، وليس له منها إلا ما كتبه الله عز وجل فإذا بذل الأسباب واستشار واستخار، فإن الأمر كله لله يدبر الأمر كيف يشاء، فلتطب نفسك بحكم الله وقضائه، خاصة أنك بذلت ما في وسعك، فالحمد لله مقدر الأمور، وعليك بالفرح والسعادة وأنت تلجأ إلى ركن شديد ورب غفور رحيم.
وتأمل في حال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتحسر على إعراض قومه بعد أن بذل وسعه في دعوتهم، فخاطبه المولى جل وعلا بقوله: ” فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ” [فاطر: 8].