إذا نزلت بالمرء المصيبة؛ فإن أول علاج لحلها أن يسترجع ويقول: ” إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ” والاسترجاع من الأدب النبوي العظيم، وهو ينزل على النفس الطمأنينة والسكينة، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة رضي الله عنها، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمر الله: ” إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ” اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها…”
وتأمل في حال أم سلمة رضي الله عنها وقد استرجعت عند موت أبي سلمة، فعوضها الله عز وجل في مصيبتها، وأكرمها بزواج النبي  منها، وقد يكون الخلف في الدنيا، أو في الآخرة، أو بهما معا.

التأني وعدم العجلة
كثيرا ما تقع مشاكل بين الأسر أو الأزواج أو المعارف والأصحاب؛ ولهذا إذا وقعت المشكلة، فإن الجزء الأكبر والعامل المساعد في حلها: هو التأني والتفكير في أمرها وعدم العجلة في اتخاذ القرار.
والقرار بيدك، فإن كان لك رأي اليوم فهو لك غدا، ولن يضيرك التأخير شيئا بما ربما تغير رأيك غدا وهكذا، خاصة مع هدوء النفس وانطفاء غضبها وهيجانها، وقد قال  وهو يخاطب عائشة رضي الله عنها: “عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه” [رواه مسلم] والخطاب من بعد أم المؤمنين يتوجه لسائر المؤمنين.
وما رأينا الحدة والغضب تأتي بخير، ولو حدثتك المحاكم عن نتائج لحظات الغضب، لعجبت من كثرة من اتخذه مطية: فتفرق الأبناء، وضاعت العشرة وامتلأت السجون.. وكل ذلك بسبب لحظة غضب.
فما أجمل الرأي وقد زانه الرفق وجملته الأناة.

الصبر
ما إن يطرق سمعك كلمة المصيبة، إلا ويأتي في الكفة الأخرى كلمة الصبر، ولولا ذلك لتفاقمت المشاكل ودب اليأس والقنوط، ولكن الله عزوجل رحمة منه بعباده سخر لهم أمر معالجة المصائب بالصبر.
والصبر مقام من مقامات الدين ومنزل من منازل السالكين والصبر كنز من كنوز الجنة، وقد أعد الله عز وجل للصابرين أجرا عظيما إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10].
قال الأوزاعي: ليس يوزن لهم ولا يكال لهم، وإنما يغرف لهم غرفا.
وقال صلى الله عليه وسلم: “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له” [رواه مسلم] والصبر هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب.
ولا يظن أن المصائب في الأمور العظيمة كالموت والطلاق مثلا، بل كل ما أهمك فهو مصيبة؛ انقطع شسع نعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاسترجع وقال كل ما ساءك مصيبة.
وإذا لم يصبر المسلم ويحتسب مضت الأيام بالمصيبة وفاته الأجر والمثوبة.
وأعظم من الصبر منزلة الرضا بما قدر الله وقضى، فارض بقضاء الله وقدره: ” قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا ”
[التوبة: 51].
قال ابن رجب رحمه الله: والفرق بين الرضا والصبر.
أن الصبر: كفر النفس وحبسها عن السخط مع وجود الألم وتمني زوال ذلك، وكف الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع.
والرضا: انشراح الصدر وسعته بالقضاء؛ وترك تمني زوال الألم وإن وجد الإحساس بالألم لكن الرضا يخففه ما يباشر القلب من روح اليقين والمعرفة، وإذا قوي الرضا فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية.
قال ابن الجوزي رحمه الله: ولولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تعتور فيها الأمراض والأكدار، ولم يضق العيش فيها على الأنبياء والأخيار.
فآدم يعاني من المحن إلى أن خرج من الدنيا.
ونوح بكى ثلاثمائة عام.
وإبراهيم: يكابد النار وذبح الولد.
ويعقوب بكى حتى ذهب بصره.
وموسى يقاسي من فرعون.. ويلقى من قومه المحن.
وعيسى ابن مريم لا مأوى له، إلا البراري في العيش الضنك.
ومحمد صلى الله عليه وعليهم يصابر الفقر، وقتل عمه حمزة وهو من أحب أقربائه إليه ونفور قومه عنه.
وغير هؤلاء من الأنبياء والأولياء مما يطول ذكره، ولو خلقت الدنيا للذة لم يكن حظ للمؤمن منها.
وصدق الشاعر:
طبعت على كدر، وأنت تريدها صفوا من الأقذاء والأكدار

والصبر هنا لا يتوقف على تحمل المصيبة وتجرع آلامها وغصصها، بل الصبر على معالجتها وإعادة ترتيب الأمور، فلربما كان صبر المعالجة: دعوة إلى الله عز وجل ولربما كان صبر المعالجة: تربية وحسن عشرة، ولربما كان: عودة زوج واستقامته وهكذا.

حسن الظن
لا بد من حسن الظن بالله عز وجل وأن الفرج قريب، وأن مع العسر يسرا، وكذلك الظن بالشخص المقابل أو صاحب المشكلة، فقد يكون لديه تصور معين، أو فهم خاطئ، أو بلغه أمر غير صحيح، ولهذا إحسان الظن بالمسلم مما يريح النفس، وتلمس الأعذار مما يهون المصيبة، ويعين على حلها بروية وحسن تفكير، وبعض المشاكل قد يبني على سوء الظن، بناء على أوهام وخيالات أو تصور قاصر.
وأذكر أن رجلا كان لديه مشكلة مع آخر، واستشاط غضبا وبدأ يهدد أبناء خصمه وزوجته، وكان الرجل مسافرا وأرسل قبل مغادرته ورقة بها اعتذار وطلب عفو ومسامحة وتنازل عن حقه، ولكن حامل الورقة هذه تأخر في إيصالها حتى ثارت ثائرة الخصم.
فانظر إلى ما أحدث الرجل من كلام غير طيب في حق صاحبه، ورفع صوته وتعداد معايبه هل يا ترى تعود الصحبة كما كانت؟
وتأمل في واقعة أخرى: لما تأيمت حفصة بنت عمر رضي الله عنهما عرضها أبوها على أبي بكر فلم يجبه بشيء، وعرضها على عثمان فقال: بدا لي ألا أتزوج اليوم فوجد عليهما وأنكر (أي دخله حزن وكدر) وشكا حاله إلى النبي  فقال: “يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة” ثم خطبها فزوجه عمر، وزوج رسول الله عثمان بابنته رقية بعد وفاة أختها.
ولما أن زوجها عمر، لقيه أبو بكر فاعتذر وقال: لا تجد علي، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد ذكر حفصة فلم أكن لأفشي سره، ولو تركها لتزوجتها…

كتمانها وعدم التحدث بها
من توجيه النبي صلى الله عليه وسلم: “من البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة” وإذا كانت المصيبة مما يمكن كتمانها فكتمانها من نعم الله عز وجل الخفية، وهذا سر من أسرار الرضا وعدم التضجر والانزعاج.
قال الأحنف: لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة ما ذكرتها لأحد.
ولما نزل الماء في إحدى عيني عطاء رحمه الله مكث عشرين سنة، لا يعلم به أهله.
قال شقيق البلخي: من شكا مصيبة به إلى غير الله، لم يجد في قلبه لطاعة الله حلاوة أبدا.
وقال صلى الله عليه وسلم: “من إجلال الله، ومعرفة حقه: أن لا تشكو وجعك ولا تذكر مصيبتك”.
والملاحظ أن الإنسان إذا زالت عنه المشكلة، ندم أنه أخبر فلانا بها، أو أنها أخبرت فلانة بها، فإذا كان الأمر كذلك فليكتم الإنسان مشاكله ولا يظهرها ، ومن أسوأ المشاكل ظهورا، المشاكل العائلية فتجد الزوجة إذا وقع بينها وبين زوجها أمر من الأمور، اشتكت إلى أهلها وذمت الزوج بأمور لا دخل لها في المشكلة، وعددت معايبه القديمة والجديدة حتى يكرهه أهلها وإخوانها، وعندئذ تكون حبال الوصال مقطوعة، والنفرة حاصلة حتى وإن وجد حل للمشكلة، لكن تبقى تلك الترسبات التي نطق بها اللسان تؤثر على مستقبل العلاقة مع الزوج.