من حقّ كل واحد منّا أن تكون له آمال ورؤى في المستقبل القريب، أو البعيد فيما يتوقعه أو يرجوه سواء تولى ذلك بنفسه، وبادر إليه، أو قام به غيره ممن يعرفهم، أو لا يعرفهم في زمانه أو فيما تلاه من أزمان وعصور.
بَيْدَ أنه ينصح هؤلاء المؤمّلون والحالمون أحيانًا بأن تكون رُؤاهم وآمالهم واقعية موضوعية متدرجة ما أمكن.
فتعالوا في هذا المبحث لنتناول آمالاً ورؤًى مستقبلية لأداء التلفاز التربوي بعد أن عرضت – سابقًا – واقعًا لدوره في مجال التربية والتعليم.
فمن الآمال والرؤى المستقبلية لأداء التلفاز التربوي:
1- أن تخصص في وزارات الثقافة والإعلام وكالة تُعنى بالإعلام التربوي فقط، خصوصًا التلفاز، وتكون على صلّة وثيقة بوزارات التربية والتعليم. وزارات التعليم العالي، ومراكز التعليم والتربية المتخصصة الحكومية والأهلية الربحية وغير الربحية.
فتشرف هذه الوكالة المتخصصة على كل ما هو تربوي إعلامي، أو ما هو إعلامي يراد من خلاله توجيه المجتمع توجيهًا تربويًا، ولا نكتفي بوجود الرديف القوي؛ وهو ما تمثله إدارات وأقسام الإعلام التربوي في وزارات التربية والتعليم فقط، بل لا بد من وجود وكالتين متعاونتين مباشرة في هاتين الوزارتين: الثقافة والإعلام – والتربية والتعليم، ومن ثم التنسيق الدائم بينهما.
2- تخصيص لجان متخصصة فاعلة متفرقة لإعداد وترجمة مواد وبرامج إعلامية تربوية متميزة تلامس الواقع المحلي، وتواكب التحرك العالمي خاصة في التلفاز، ولا يطلب من هذه اللجان مجرد التنظير، ولا يقبل منها التفكير فقط، بل يؤمّل منها وضع الخطط والاستراتيجيات، ومن ثم الآليات للتنفيذ، ووسائل المتابعة، وبنود التقويم والمراجعة، ثم التغيير والإصلاح المواكب للتطور العالمي.
3- مراجعة البرامج والمواد الإعلانية التي قدمت عبر هذا الجهاز، وما سوف يقدم من الناحية الإعلامية التربوية، وهذا يستلزم أمورًا وخطوات، منها:
استقطاب طواقم وكوادر إعلامية تربوية متخصصة تعين في وزارات الثقافة والإعلام وفروعها تتولى هذا الجانب، وضع معايير إعلامية تربوية محليّة لهذه المراجعات، توفير الأجهزة العالمية المتطورة في مثل هذه، عدم الانشغال بالأمور الإعلامية الفنية، وترك ذلك لأهله من المتخصصين.
4- دعم الدراسة الجامعية، والدراسات العليا المتخصصة في الإعلام التربوي، والتلفاز التربوي خصوصًا من قبل جامعاتنا وكلياتنا ومعاهدنا فيتخرج في هذه المحاضن التعليمية العالمية متخصصون أكفاء للقيام بالمهمة الإعلامية التربوية على أكمل أداء، وأفضل تميز بتعيينهم في أحد المجالات الثلاثة الماضية (1، 2، 3).
5- الدعم المادي والمعنوي من قبل الدول والحكومات والمؤسسات الخاصة لأداء التلفاز التربوي لمردوده الكبير على الأفراد والمجتمع والحكومات والشعوب، والمؤسسات العامة والخاصة.
إن الدعم المادي لهذا الأداء يتمثل في تخصيص الموازنات (الميزانيات) الكافية لهذا العطاء الإعلامي التربوي، والتعيين السريع والعاجل للمتخصصين في هذا الجانب، ووضع الحوافز التشجيعية والبدلات لمن يعمل في هذا التخصص أو يدرسه، أو يشرف عليه.
أمّا الدعم المعنوي فبالتشجيع المستمر، والإشادة بالجهود، وتهيئة الظروف والمناخ المناسب لهؤلاء المتخصصين.
6- الإبداع الإعلامي التربوي من خلال التلفاز؛ فإننا نلمس أنواع الإبداع الإعلامي وأصنافه في المجال السياسي والاقتصادي والتحليلي والوصفي لكننا لا نجد أو ندرك هذا الإبداع في المجال التربوي بشكل كبير وكثيف وواضح.
إننا بحاجة أن نطلق العنان لأفكارنا التربوية الإبداعية في الجانب الإعلامي عبر التلفاز حتى نقدم ما ترضى عنه نفوسنا التربوية، وتتعلق به وتشتاق إليه أفئدة المشاهدين.
إن الإبداع يحتجا إلى التفكير العميق والرؤية الشاملة والتجديد والتطوير والمغامرة أحيانًا، وتخطي حواجز العادة المحكّمة، والخلفيات الماضية الوهمية والحقيقية، مع الحاجة إلى الخطوات العملية التربوية لا مجرد الطرح والإلقاء.
7- استقلالية أداء التلفاز التربوي الإسلامي، وتميّزه من بين سائر الهويات الأخرى، والثقافات والحضارات الغربية والشرقية.
فمن الملاحظ الاختلاط الثقافي الإعلامي في العالم المسوّغ له بأنه ثمرة عالمية لا يمنع تلاقح الأفكار، وتقارب الحضارات وتناغم الثقافات. إن هذا لا يمنع من الأداء التربوي الإسلامي المتميز للتلفاز بشعاراته وبرامجه وأشخاصه.
والتميز والاستقلالية رمزان من رموز القوة، والتمكن في الأداء.
إن أمتنا الإسلامية تمرّ بأزمات دولية، وضغوطات عالمية، وصراعات محلية وخارجية، وأحد المنافذ المهمة لبوابة الإنقاذ لها، مما هي فيه – بإذن الله تعالى – هو هذا الإعلام التربوي الإسلامي المتميز والمستقل، المشاهد عبر التلفاز وغيره.
8- اتسام التلفاز التربوي الإسلامي بالعالمية، لا المحلية والوطنية والقومية؛ لأننا أمة دينها يقوم على العالمية، يقول الله العليم الخبير سبحانه: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ (الفرقان: 1). فلا بد أن نصدّر للناس جميعًا توجهاتنا التربوية الإعلامية، وأن نمدّ يد العون مع الشركات والقنوات العالمية لإفادة من يرغب في نق ثقافتنا وحضارتنا الإسلامية.
ومعنى اتصاف التلفاز التربوي الإسلامي بالعالمية أيضًا مواكبته لأحداث العصر ومتطلباته، وفنون تجدده وتطوره؛ لا أن يكون ضيفًا قابعًا في نُزُل الضيافة العالمية، أو مضيفًا في المجالس الدور المحلية دون تفاعل أو تناغم.
9- تحسس المشكلات التربوية في المجتمع، ومن ثم الإسهام في الحلول العلمية والعملية لها عبر التلفاز. إن التلفاز المحلي المشاهد يؤدي إلى حدٍّ لا بأس به في هذه الدور، وعلى استحياء أحيانًا بسبب الضغط الإعلامي المتكرر على نواحٍ معيّنة تقدم على التربية والتزكية. وعند حلول كثير من الوقائع أو الكوارث أو الأحداث المتكررة تكثف المادة الإعلامية التربوية من خلال هذه الشاشة حتى يشعر المشاهدة في بعض الأحيان بالتخمة التربوية المفاجئة، والمؤداة بشكل مكرور ومباشر غالبًا، كما أن الأداء التلفازي لها يكون بالنمط المعتاد غالبًا.
إن تحسس المشكلات عنصر من عناصر التركيز التربوي والفكري، والإسهام في حلّها علميًا وعمليًا تاج هذا التركيز والتكثيف.
تعجبني البرامج التلفازية الصادقة التي تقوم على استطلاع الرأي، وتفقد الأحوال، ومعرفة الأقوال التي تنتج لنا نبض الشارع، وحركة المجتمع، ومدى حاجتهم إلى هذه الحلول من عدمها.
10- التقليل من البرامج التربوية الوصفية التي هي أشبه بالمواد والبرامج الإذاعية من حيث ما يقوم به المقدم من الإكثار من القراءة من الأوراق التي بين يديه، أو الجلوس بدون حركة من المقدم، أو عدم إدارة الكاميرا وتجوالها، والإكثار من الحديث الوصفي الذي يمتاز به البرنامج الإذاعي عن البرنامج التلفازي، والحوارات المملة، والنقاشات الهادئة جدًا، والعناوين المتداولة.
إن المجتمع بحاجة وهو يشاهد التلفاز أن يشعر أن مقدم البرنامج التربوي يتحدث عما في داخله، ويتلمس احتياجاته، فكأنه يقلّب ناظريه فينا، يشدنا حديثه، ويجذبنا تفسيره من غير إطالة مع النزول إلى مستوى الثقافة العامة ليتفقه الجميع، يدرك الفكرة دون الخوص في التفاصيل العلمية المتخصصة الدقيقة، والخلافات الشائكة مع بث روح احترام عقل المشاهد، ووقته، ومؤهلاته (2).
11- إقامة برامج تربوية شبابية حوارية مفتوحة بحضورهم فيها، ومشاركتهم من خلالها عبر المداخلات المباشرة.
لقد أدرك عقلاء المجتمع أهمية الحوار مع الشباب بسائر مستوياتهم، وتنوع ثقافاتهم قديمًا، ثم ما زال هذا الإدراك يترسخ في المجتمع عند مشاهدة الانحرافات الفكرية والعقدية والسلوكية والأخلاقية لدى بعض الشباب والشواب.
إن إقبال الشباب على أبواب الرياضة، ومتابعة نوافذها التلفازية دليل على الاهتمام بهم في هذا الجانب، ومعرفة رغباتهم، وتلبيتها.
فلِمَ لا يكون لنا توجه ضخم نحو البرامج التربوية الشبابية التلفازية التي تعالج مشكلاتهم، وتحاورهم وتستطلع آراءهم، وتشركهم في الاطلاع على نظرة المجتمع حيالهم، وتعرّفهم بواجباتهم، وواجبات المجتمع تجاههم.
12- الاعتبار بالأسلوب القصصي التسلسلي التربوي القرآني، المحبّب إلى النفوس، تهواه الأفئدة، وتشتاق إليه الغرائز.
ولذا نجد أن أكثر آيات القرآن الكريم وهي (6236) آية، جاءت في قصصه أحسن القصص؛ يقول الله تبارك وتعالى ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾ (يوسف عليه الصلاة والسلام: 3).
وأقصد بالقصص التربوية التي تعمّق مفاهيم التربية والتزكية ولا تفصّل فيما لا فائدة فيه.
إن اعتماد التلفاز في كثير من الأحيان على قصص وروايات مكرورة الغاية، معروفة الهدف، موضوعها يتناول قضايا محددة.
فلِمَ لا تُستنهض الأقلام الجادة لكتابة قصص وروايات تربوية للتلفاز مغزاها مميز، وأهدافها واضحة مستقلة.