إن الأمّة المتعلمة هي التي ترقب أجهزتها الإعلامية على اختلاف وسائلها، وتعدد أساليبها أن تسعى حثيثة إلى تحقيق آمالها وطموحاتها ضمن رؤى مستقبلية، وخُطًى ثابتة، واستراتيجية مرسومة لأداء تعليمي أفضل من خلال وسائل الإعلام المتنوعة، ومن أهمّها التلفاز.
فنحن بحاجة ماسة إلى الحديث عن الآمال والرؤى المستقبلية لأداء التلفاز التعليمي لإبداء أفكارنا وآرائنا، والتشاور مع المتخصصين وصُنّاع القرار. وفي هذا المبحث أحاول أن أرسم لوحة مستقبلية لأداء التلفاز التعليمي؛ آمل رؤيتها عمّا قريب وهي تنتشر في أوساط المجتمع واقعًا ملموسًا، وحياة تمارس.
فمن هذه الآمال والرؤى المستقبلية لأداء التلفاز التعليمي ما يلي:
1- إيجاد قناة تلفزيونية تعليمية متخصصة في هذه البلاد تشارك القنوات الموجودة؛ الأولى والثانية، والإخبارية والرياضية.
وهي فكرة ملحة، ومطلب تمس الحاجة إليه لرفع المستوى الثقافي التعليمي بين كافة أفراد المجتمع، وهذه القناة لها الأهمية القصوى التي تقدم بها على المجال السياسي والرياضي. فالمجال الإعلامي التعليمي أنفع للشعوب من المجالات الأخرى التي تغطي ميولاً وهوايات ورغبات شخصية، أو ثقافات عامّة.
والسؤال هنا: ما الذي نرجوه من قناة تلفزيونية تعليمية متخصصة ؟
إننا نأمل أن تؤدي هذه القناة دورًا كبيرًا في العملية التعليمية؛ فهي من أبرز وسائل رفع المستوى الثقافي والتعليمي، وتدعم المدرسة والجامعة والكلية والمعهد في بثّ العلم بين الناس، وترسيخه وتثبيته.
وهذه القناة تحاكي قنوات تعليمية أخرى عالمية وعربية، فليست بدعًا من القنوات.
بل وجد من هذه القنوات التعليمية العالمية قنوات متخصصة في بعض فنون العلم، كقناة الحيوان والمناهج والمسابقات .. إلخ.
ونتطلع في يوم من الأيام أن ترى القناة التعليمية النور في بلادنا، ثم تتفتق هذه القناة إلى قنوات متخصصة تغطي احتياجات المجتمع التعليمية والثقافية.
2- شمولية أداء التلفاز التعليمي كل فئات المجتمع؛ الرجل والمرأة، الكبير والصغير، المثقف وغير المثقف، الموظف وغير الموظف، الراعي والرعية، الطالب والأستاذ، المتدين وغير المتدين، فيصبح هذه الأداء متكاملاً شاملاً الأفراد دون التركيز على فئة دون فئة؛ مع العناية البالغة، ماذا يقدِّم لكل فئة من هذه الفئات؟ وما الذي يشتركون فيه ؟ بعد معرفة خصائص كل مرحلة عمرية لهذه الشرائح.
3- الإكثار من البرامج التعليمية الحيّة المباشرة التي يحضرها جمهور، ويشترك فيها آخرون عبر مواقعهم؛ لأنّ هذه البرامج أقرب للتشويق والربط والمتابعة، وأبعد عن الملل والكلل، مع حسن الإجادة في التقديم والإخراج وإدارة الحوار. وهي برامج مفيدة يحضرها جمهور يشارك ويستمع ويشاهد، ويتفاعل ويقوّم، ولا يُشهد له فقط بالحضور العقيم، والسكوت الممل، ويُفتح الحضور للراغبين عمومًا. أما من يشترك في هذه البرامج التعليمية عبر موقعه؛ من داخل منزله، أو محل إقامته، أو من هاتفه النقال أينما كان فيؤخذ رأيه، ويدوّن اسمه، ويُبدي وجهة نظره، مع إعطاء الجمهور الحاضر والمشارك عن بُعد الحرية في إبداء الرأي والاعتراض والتعليق مع الأدب الجمّ وحسن الخلق.
4- تخصيص وقت كافٍ لعرض ما يسمّى بالترفيه التعليمي؛ وهو عبارة عن مواقف جادة أو حادة أو محرجة ذات أهداف تعليمية، وقد تحتوي على أخبار جدية تصاغ بالشكل الهزلي أو التهكمي مثل البرنامج الشهير (the daily show) الذي يعرض على قناة (كوميدي سنترال) منذ عام 1999م، ويتولى تقديمه المبدع في هذا الفن (جون ستيوارت)، ويبثّ برنامجه حول العالم على قناة (cnn) الدولية، وأظهرت استطلاعات الرأي في أميركا أن أكثر من 20% من الشباب يتابعونه(3).
5- الإجادة والإبداع في المسابقات التعليمية التي تعرض في التلفاز؛ لأننا نرى كثيرًا من المسابقات التعليمية مكرورة الفكرة، معادة بشكل آخر. إننا نأمل أن نرى المبدعين والجادين من أهل التعليم وهم يتقدمون للإعداد الإبداعي الجاد في المسابقات التعليمية التلفزيونية؛ ولا أرغب في تسمية برامج مسابقات عالمية إبداعية جادة لكثرة ما رأيتُ وأعجبتُ.
ويكفينا أن العقول الإبداعية في أمتنا وبلادنا كثيرة، ولو أتيح لها المجال لقدمت الكثير في محطاتنا، ومن ثم يمكن الاستفادة منها فيما بعد في المحطات الأخرى العربية والدولية.
6- تفعيل ما يسمى بالتعليم عن بُعد، والتعليم الذاتي(4)، والتعليم المنزلي، هذه بعض أنواع وطرائق التعليم في الوقت الحاضر نحن بحاجة إلى تفعليها بين كافة أفراد المجتمع، ليتعرفوا عليها أولاً، ومن ثم يمارسونها. وهذا الثلاثة أنواع كلها تقوم على المبادرة الذاتية، والإشراف الذتي، وربما رافقها إشراف أسري نحوه.
والتلفاز أحد الآليات المهمة لتنفيذها، والتعريف بها، فيرتفع مستوى التعلم في المجتمع، ويقل الجهل وينطوي.
7- الإفادة المثلى من التجارب العالمية ومواكبتها، وليس مجرد محاكاتها بالترجمة. وهذا يصب في دائرة التبادل والثقافي والحضاري بين المجتمعات. وأقصد بالإفادة المثلى؛ أن يتم أولاً البحث عن أصل الفكرة لهذه البرامج التعليمية أو تلك، ودواعي إقامتها، وردود الفعل حيالها، وتقويمها، ومراحل تطورها، وما هي الرؤى المستقبلية لها، وبعد هذا البحث ننتقل إلى فكرة نقل هذا البرنامج إلى العربية وفق الشريعة الإسلامية، وما يوافق عاداتنا، مع الإضافة إليه أو الحذف منه، وعرضه بالثوب المحلى إن أمكن، ولا نكتفي بمجرد الترجمة أو التعريب؛ فهذه محاكاة أو تقليد أو تبعية بالتمام، ولا بد أن يتميز الطرح العربي عن الأجنبي، ويستقل استقلالاً بينًا، مع مواكبة الجديد، ومتابعة المحدثات الجيدات.
8- رؤية الدعايات الإعلانية التعليمية التلفازية، وهي في غالبها هادفة، مشاهدتها ومتابعتها لها أثر تعليمي على الفرد والمجتمع، فالدعايات الإعلانية والمؤسسات التعليمية عن الكتب والمحلات والصحف وما يفرزه الحاسب الآلي من برامج والأفلام التعليمية والمؤسسات التعليمية وقناة تعليمية .. إلخ، نحن بحاجة أن نراها متميزة عبر هذه الشاشة، مع ندرتها ضمن هذا الدليل الجارف من الإعلانات التجارية المتنوعة.
والدعايات الإعلانية لها أهدافها المعروفة، وأثرها في الإقناع والتأثير الواضح، ولغلبة التجارية منها على التعليمية أفقدتها التوازن في المجتمع.
والمتوقع أن تؤدي هذه الدعايات الإعلانية التعليمية التلفازية دورًا رائدًا في رفع المستوى التعليمي والثقافي لدى المشاهد والمتابع.
9- تشجيع إنشاء مؤسسات تعليمية محلية متخصصة لإعداد مواد وبرامج تلفازية تعليمية، وفي غالب الحال تكون هذه المؤسسات ربحية أهلية غير حكومية تؤدي دورًا مميزًا في التفكير والتطوير والإعداد لهذه البرامج التلفزيونية.
ولا أؤيد أن تتولى وزارات الثقافة والإعلام إعداد هذه الأعمال التعليمية الإعلامية لأنها تحتاج إلى متخصصين متفرغين، ذي دربة وخبرة، واطلاع واسع.
وتوجد مؤسسات عالمية كثيرة متخصصة في هذا الفن يمكن الاستفادة من تجاربها ومعطياتها.
10- الابتعاد عن فكرة أن تكون برامجنا التلفازية التعليمية بديلة عن غيرها، بل لا بد أن تكون أصيلة متميزة في بابها.
وأنا أعلم عن بعض القنوات الإيمانَ بهذه الفكرة والاقتناع بها، وفي اعتقادي أنها خاطئة إذا لزمناها، ولم تنفك عنا؛ لأنها تؤثر في الإنتاج والإخراج، ومن ثم في المنتجات والمُخرجات. وحسبنا من البدائل أنها ليست الأصايل، وما زالت في حقل التجارب.
وإن من يبحث في ظل البدائل لا يبدع غالبًا؛ لأنه محبوس في واقع رآه، أو شيء ألفه، فعلينا التأصيل والإبداع، والخروج ن النصّ الذي نراه.
11- اشتمال أداء التلفاز التعليمي على سائر نواحي العلوم والثقافات المقبولة شرعًا. وهذا يفيد المُشاهد كثيرًا مهما كان مستواه التعليمي، ويكوّن لديه ثقافة عالية شاملة.
بينا لو اقُتصر على البعض من نواحي العلوم والثقافات دون بعض لوجدنا خللاً في الثقافات وثغرات في التعليم لدى المتلقي كما هو مشاهد في كثير من المجتمعات المعاصرة. ولا بد أن يكون لدى غالب المشاهدين حدًا ووحدة فكرة وثقافية، لا يقصرون عنها، لكن يكون للبعض الزيادة والنماء فيها ما شاءوا.
12- تخصيص جزء كبير من الأداء التلفازي التعليمي لتعليم الكبار وتثقيفهم، ومحو الأمية. وهذه تجارب الغرب والشرق تنادي بهذا، وخصوصًا لربّات البيوت، ومن فاتهن التعليم أو عسُر عليهن في مجتمعنا.
وهذا الأمر تكافل اجتماعي، وتواصل ثقافي يُبنى عن الاهتمام البالغ بهذه الفئة من المجتمع المحتاجة جدًا إلى التعليم والتثقيف، ولن ننساهم – بإذن الله تعالى – في حمأة التعليم الكبرى، وزحمة التثقيف، فلهم حقوق تعليمية علينا لا بد أن نوفيهم إياها (5).